بفضل إجراءات متنوّعة، أعلنت «منظمة الصحة العالمية» أخيراً أن أمراض القلب والشرايين انخفضت للمرة الأولى في الولاياتالمتحدة، بحسب إحصاءات عن تطوّر أرقامها خلال العام الحالي. تضمّنت هذه الإجراءات مكافحة التدخين والتنبيه لمخاطر المأكولات السريعة «فاست فود» والترويج لأنماط صحية في الغذاء والتحفيز على ممارسة الرياضة وغيرها. واعتبرت السلطات الصحية الأميركية، وكذلك منظمة الصحة أن مكافحة التدخين شكّلت الإجراء الأكثر فعالية في خفض أمراض القلب والشرايين في الولاياتالمتحدة. في المقابل، يبدو لافتاً اتّساع ظاهرة التدخين بالنرجيلة («الشيشة») في كثير من بلدان العالم الثالث، وبعض البلدان الأوروبية أيضاً، خصوصاً مع توسّع حضور الجاليات العربية والإسلامية فيها، إذ لم يعد انتشار النرجيلة مقتصراً على المطاعم والمقاهي العربية في بلد مثل ألمانيا، بل وصل إلى المطاعم الألمانية التي يعتبر بعضها «الشيشة» عنصراً مهماً في جذب الزبائن لأنهم باتوا يقبلون على تدخينها بأعداد متزايدة. ونظراً إلى انتشار ظاهرة النرجيلة في أوروبا، أجريت دراسات غربية عدة لمعرفة آثارها على الصحة شاركت فيها مجموعة من مؤسسات الاتحاد الأوروبي الصحية. وتبيّن أن دخانها يحتوي على سبعين مادة مسبّبة للسرطان، تماماً مثل حال السجائر. وتبيّن أن هذا الدخان يحتوي على كمية وافرة من النيكوتين الذي يذوب بسرعة في الدم، إضافة إلى الأذى الذي يُحدثه في الجهازين العصبي والتنفسي. يضاف إلى ذلك أن حرق السكر الموجود في بعض أنواع التبغ المستخدم في النرجيلة، كتلك التي تُعطي نكهة الفواكه، يؤدي إلى إفراز مواد تضر بالغشاء المخاطي للجهاز التنفسي. وأظهرت بعض الدراسات أيضاً وجود تأثير سلبي لتدخين النرجيلة على نمو الجنين. وأثناء تدخين التبغ بأنواعه المختلفة، يمتص الجسم كمية كبيرة من مواد مثل الزرنيخ والكروم والنيكل. وتساهم هذه المواد في أمراض مثل التهاب الكبد والعدوى بالفطريات، إضافة إلى علاقتها المعروفة بإمكان الإصابة بأورام خبيثة في الفم. وتحاول كثير من بلدان الشرق الأوسط التصدي لهذه الظاهرة، إذ أصدرت سورية مجموعة من القرارات المتصلة بتنظيم التدخين في الأماكن العامة المغلقة والمفتوحة، لكنها لم تترك آثاراً كبيرة على هذه الظاهرة. وأظهرت دراسة أجراها «المركز السوري لبحوث التدخين» على أكثر من 2000 منزل في مدينة حلب، أن نسبة مدخني السجائر وصلت إلى 60 في المئة لدى الرجال، كما تعدّت ال24 في المئة عند النساء. ووصلت نسبة تدخين النرجيلة إلى قرابة 20 في المئة لدى الرجال و6 في المئة لدى النساء. واعتبرت دراسة أن هذه النسب هي من الأعلى عالمياً، ما يجعلها أقرب إلى الكارثة الصحية. وشنّت مصر حرباً شرسة ضد التدخين في أشكاله كافة، بهدف حماية صحة المواطنين، خصوصاً الشباب دون الثامنة عشرة. ومنذ سنوات عدة، تقرّر إغلاق المقاهي التي تفتح أبوابها للطلاب الذين تقل أعمارهم عن الثامنة عشرة، ومنعهم من تدخين الشيشة. كما ظهر قانون هدفه حظر الإعلان عن منتجات التبغ في وسائل الإعلام، وإلزام شركات إنتاج التبغ بأن تعلن عن الأمراض التي يسبّبها التدخين. وبحسب أرقام رسمية، تضمّ القاهرة ما يزيد على عشرة آلاف مقهى، وقرابة ألفي كافتيريا والمئات من مقاهي الإنترنت. ويرجحّ أن الأرقام الفعلية أكثر من هذا كثيراً. وعرفت مصر المقاهي في عصر محمد علي باشا، وكان روادها يدخنون «الجوزة»، وهي ثمرة جوز هند مُفرغة. وتطورت الجوزة الى شيشة في بداية القرن العشرين. واستُبدِل جوز الهند بإناء الزجاج، وحلّ البلاستيك بديلاً لعصا الغاب المجوّفة. وسايرت المقاهي التقدم التكنولوجي، فأدخلت الراديو ثم التلفزيون والفيديو والأتاري وأخيراً الكومبيوتر والإنترنت، على رغم أن ال «ويب» أفرزت مقاهيها الخاصة. وتفاعلت المقاهي المصرية مع الثورات، بل أفرزت مؤيدين لثورتي 1919 و1952، وتفاعلت مع حربي 1967 و1973، إضافة إلى تفاعلها المعروف حالياً مع مباريات كرة القدم. ويحتاج دور المقاهي في «ثورة 25 يناير» إلى نقاش منفصل.