تجذب النرجيلة الكثر من الفرنسيين الذين يؤمون المقاهي في باريس وسواها من المدن ليتمتعوا في تلك الجلسات الشرقية نافخين تلك النراجيل التي شببها احدهم بالتحف الفنية. وحملت بعض المقاهي عناوين عربية وتميزت بأجواء شرقية صرف. ولا يعود تاريخ افتتاح اول مقهى خاص بالنرجيلة في باريس الى اكثر من عشر سنوات. في البداية كانت النرجيلة تحضر حضوراً خجولاً في بعض المطاعم العربية في باريس بصفتها طلباً يضاف على فاتورة الطعام، ثم ما لبثت رويداً رويداً ان اصبحت المادة الأساس التي يُطلب عليها اضافة الى ملحقاتها كالشاي والعصير والكولا... الى ان اصبح عدد المقاهي التي تقدم النرجيلة، الآن، يتجاوز الثلاثين. فعلى سبيل المثال تحتوي الدائرة الخامسة في باريس وحدها على أربعة مقاه هي: "المقهى المصري"، "أم كلثوم"، "كافية اورينتال"، "الكرنك"، اضافة الى مقاه اخرى موجودة في احياء بلفيل، كورون، بيغال، لوكسمبورغ، مونبرناس مثل الف ليلة وليلة، جنة الشرق، امنحوتب، حكاية مصرية، علي بابا، حورس... ويشكل الفرنسيون النسبة الأكبر من رواد مقاهي النرجيلة. فيما يشكل المصريون والخليجيون واللبنانيون نسبة اقل. يتوزع رواد مقاهي النرجيلة من الفرنسيين على فئات اجتماعية متعددة لكن جلّهم من الشباب على خلاف العرب الذين ينتمون الى مختلف الأعمار تختلف طرائق معرفة أو اكتشاف النرجيلة تبعاً لمدخنيها من الفرنسيين ولكن في معظم الحالات نجد عنصراً عربياً يكمن خلف مناسبة تدخينها للمرة الأولى. فالبعض تعرّف على النرجيلة عند جيران او أصدقاء عرب. وآخرون دعاهم زملاء وأصدقاء الى مقاهي النرجيلة تحدوهم رغبة كبيرة في اكتشاف طريقة عمل هذه "الآلة العجيبة" التي تخرج دخاناً. فئة ثالثة هي تلك التي زارت البلدان العربية خصوصاً بلدان المغرب ومصر وشاهدت النرجيلة للمرة الأولى في بلدانها الأصلية أو دخنتها وبعد العودة الى فرنسا شعرت بشوق لمتعة تدخينها فبدأت رحلة البحث عن مقاه متخصصة بالنرجيلة، تلك الرحلة التي لم تكن ابداً مضنية اذ سرعان ما عثرت على عناوين مقاهيها اما عبر الإنترنت أو عبر الإعلانات. آلان 30 عاماً يروي انه دخن للمرة الأولى النرجيلة كان برفقة صديق تونسي "حصل ذلك قبل ست سنوات. بعد ذلك بدأت أرتاد المقهى وحيداً، وأدعو اصدقائي لتدخينها. ثم في السنة الثانية اشتريت نرجيلة ووضعتها في المنزل. إنها جميلة اشبه بعمل فني". كارول 25 عاماً تشعر انها في بيتها عندما تجيء الى مقهى النرجيلة. خصوصاً انها احيانا تخلع الحذاء وتجلس جلسة عربية ما يعطيها الطمأنينة ف"المكان صغير لكنه يصبح كبيراً مع "اللمة" التي تصنعها النرجيلة". جولي 18 عاماً تجد ان النرجيلة افضل دواء للإقلاع عن التدخين الطبيعي ولإبعاد الفكر والبال عن المشكلات ف"خارج مقهى النرجيلة تكاد مشكلاتي تفجر رأسي. هنا اشعر بالراحة". كلود 28 عاماً يجد انه ليس وحده من يشرب النرجيلة، اذ له زملاء سياسيون ورياضيون وفنانون وهو يروي بكثير من الحماسة عن وزير الدفاع الجيبوتي الذي دخن النرجيلة معه حتى الصباح برفقة حرسه الشخصي اضافة الى الرياضي جمال بوغارت حامل الميدالية الذهب للكاراتيه عام 1996. فضلاً عن بعض الزوار الخليجيين". معظم مدخني النرجيلة العرب ينتمون الى فئة الطلاب والمثقفين، فيما الرجال الآخرون يصطحبون زوجاتهم معهم. وهم يضربون رقماً قياسياً في تدخينها وغالباً ما تسمع نقاشاتهم الحادة. فهناك طالب يتحدث والشرر يتطاير من عينيه مدعياً انه حضّر للامتحان ولكنه فوجئ بالنتيجة، فالأستاذ كالعادة يهودي. وآخر يقول خدعنا بن لادن، وثالث منهمك في نقاش يدور حول العرب الأفغان. لا تشبه مقاهي النرجيلة غيرها من المقاهي فهي تتألف في معظم الأحيان من طابقين: الأول في الأعلى ويشكل مدخل المقهى حيث الطاولات والكراسي وهذا القسم يفضله الرواد العرب. والطابق الثاني في الأسفل وهو اشبه بالكهف ويفضله الفرنسيون. وينزل إليه عبر درج ضيق ينتهي بقاعة صغيرة مفروشة بمخدات وسجاجيد وحصر تعج بالمطرزات والتخطيطات الشرقية بينما تملأ الحيطان صور لآثار عربية شرقية. لا تستعمل الكراسي في هذا الطابق ليس بسبب ضيق المكان بل لإعطاء الزبون شعوراً لا يعرفه من خلال جلوسه جلسة عربية واتكائه على الأرائك والمخدات وأخذه نفساً تلو الآخر ما يجعله يسافر ويحلق بعيداً متخيلاً ناقلاً النرجيلة الى زميله الأول فالثاني فالثالث.