يدرك الأميركيون أنهم ليسوا في حاجة إلى مزيد من الكراهية بين شعوب العالم رغم ما يطلقونه من مبررات لسياساتهم التي تضيف إليهم من الكراهية المزيد. ومن دون ضجة كبيرة مرت واقعة منع فتاتين مسلمتين من التقاط صور مع المرشح الديموقراطي للانتخابات الرئاسية الأميركية باراك أوباما، وخفف من وطأة الحدث اعتذار أوباما للفتاتين ولومه علناً منظمي حملته الانتخابية الذين كانوا حالوا دون اقتراب الفتاتين منه"لأن وضعه حساس في هذا الوقت بالذات"و"حتى لا يستغل منافسوه الصورة ويظهر أنه مرتبط بالمسلمين والحجاب"بحسب ما نقلته وكالات الانباء عن إحدى الفتاتين. ومن بين الأسباب التي ساعدت على مرور الأزمة بسرعة حال التعاطف التي تسيطر على غالبية المسلمين والعرب مع أوباما مقابل المخاوف التي تتملكهم تجاه منافسه الجمهوري ماكين. وقبل أحداث أيلول سبتمبر لم ترصد وسائل الإعلام العربية حملات مؤثرة ضد"الحجاب"داخل الولاياتالمتحدة وكذلك كانت الحال في بقية العالم الغربي، مع استثناءات بسيطة، غير أن الأوضاع تغيرت بعد الأحداث ولم يعد يمر شهر من دون أن تتناول وسائل الإعلام واقعة هنا وأخرى هناك عن تصرفات"عنصرية"ضد الحجاب والمحجبات، ويظل الأمر مثل الرسم البياني الصاعد أحيانا والهابط في أحيان أخرى، لكن الجدل حول الحجاب داخل المجتمعات العربية والمسلمة دائماً ما يكون عند مستوى ثابت بين الإسلاميين والعلمانيين. ومن يتابع برامج الفضائيات وكثيراً من الصحف العربية يتعجب من هؤلاء الناس الذين لا يكلّون ولا يملّون من التشاجر والخناق حول ملبسهم حتى صار"الخناق"داخل الدول العربية حول الحجاب من الأمور الحياتية اليومية مثل الأكل والشراب والمفاضلة بين الدعم العيني والنقدي وحتى امتحانات الثانوية العامة. ويبدو أن العدوى انتقلت وتخطت أسوار السفارة الأميركية في القاهرة حيث يلوك العاملون فيها واقعة تسعى السفيرة مارغريت سكوبي ومساعدوها إلى تجاوزها والحؤول دون أن تثير ضجة في وسائل الإعلام أو بين العاملين في السفارة. قبل أسبوعين كتبت هنا عن"كلب السفيرة"سكوبي الذي مات بعدما تناول سماً يبدو أن بعض العاملين في حديقة السفارة كانوا وضعوه للتخلص من القطط والكلاب الضالة التي تقفز من خارج السفارة وتتخطى سورها العالي. وبعدما تجاوزت السفيرة مشاعر الحزن وجدت نفسها أمام تحد جديد. كانت وكالات أنباء نقلت واقعة"كلب السفيرة"وسأل مراسلون بعض المسؤولين في السفارة عنها فرفضوا التعليق وقالوا إنهم لا يتناولون مثل تلك الأمور في وسائل الإعلام، والحال نفسها تنطبق بالتأكيد على الواقعة التي تقلق السيدة سكوبي التي ستقف الأربعاء المقبل في باحة السفارة لتستقبل مدعويها للاحتفال بعيد الاستقلال الأميركي. الحكاية تتعلق بموظفة مصرية كانت التحقت بالعمل في القسم السياسي في السفارة وهي محجبة لتنضم إلى موظفة أخرى محجبة أيضاً، والأخيرة حصلت قبل أيام على إجازة طويلة للولادة، وفوجئ القائمون على القسم وباقي العاملين في السفارة بالموظفة تفك الحجاب ما أثار تساؤلات حول الأسباب التي دعتها لاتخاذ قرار"الخلع"ومخاوف من أن تكون تعرضت لضغوط أميركية لتتراجع عن تلك الخطوة. ويقول بعض العاملين في السفارة إن الموظفة أقدمت على خلع الحجاب من تلقاء نفسها وإن المسؤولين في السفارة حريصون على توظيف محجبات في الأقسام المختلفة لينفوا عن أميركا والأميركيين كرههم للحجاب، وحتى يبدون دائماً أكثر سماحة من المسلمين أنفسهم. بكل تأكيد فإن سكوبي وغيرها من العاملين في السفارة المصرية لا يعنيهم أمر"الحجاب"كثيراً، لكنهم جميعاً يسعون إلى تقليل مساحة الكراهية المتسعة جداً في العالم العربي والإسلامي ضدهم، وسواء كانت الموظفة خلعت حجابها طواعية بالفعل أو خضعت لأي ضغوط، فإن ملف الكراهية لا يمكن إغلاقه بمجرد إظهار أن السفارة ليست ضد الحجاب، ولم تدفع موظفة فيها إلى خلعه، وأنها ترحب بالموظفات المحجبات. مشكلة الأميركيين في حجاب داخلي غلفوا به عقولهم فحجب عنهم رؤية الظلم ومنعهم تطبيق العدل ودفع بهم إلى الانحياز... الاميركيون في حاجة فعلية إلى خلع"حجابهم"... وهذا ما يعتقد العرب والمسلمون والمسلمات"المحجبات"أن باراك أوباما سيقوم به!