نجاح حفيظ فنانة رائدة في مهنة التمثيل، إذ حققت حضوراً محبباً منذ البدايات الأولى لانطلاقة التلفزيون السوري، عندما شاركت في بطولة مسلسل"صح النوم"بجزءيه. هذا المسلسل يعد من أشهر المسلسلات الكوميدية العربية، وبث بالأبيض والأسود، وقد أخرجه مطلع سبعينات القرن العشرين خلدون المالح، ولا يزال يعرض، حتى اللحظة، على شاشة بعض الفضائيات، على رغم رداءة الصوت والصورة قياساً إلى الانتاجات الدرامية الحالية، وشارك فيه فنانون آخرون حققوا، في ما بعد، شهرة واسعة مثل الراحل نهاد قلعي حسني البورظان، والراحل عبداللطيف فتحي بدري أبو كلبشة، ودريد لحام غوار الطوشة، وناجي جبر ابو عنتر... وسواهم. نجاح حفيظ جسدت في هذا المسلسل دور"فطوم حيص بيص"صاحبة الفندق، الفتاة الجميلة والساذجة التي تعشق حسني البورظان، بينما الآخرون، خصوصاً غوار الطوشة، يخطبون ودها من دون جدوى... وسط هذه الحبكة الدرامية البسيطة واللطيفة، تقع المقالب والحيل، وتظهر شخصيات استقرت طويلاً في ذاكرة المشاهد العربي، بينها شخصية فطوم حيص بيص، التي أطلت، بعد انقطاع، في أعمال درامية لاحقة مثل"بسمة الحزن"،"البحر أيوب"،"رقصة الحبارى"،"جذور لا تموت"،"قلوب في دوامة"،"أشواك الندم"... وهكذا جسدت أدوار الأم الحنون، صاحبة الدموع السخية، لكن المشاهد لم يستطع النأي بنفسه عن عقد مقارنة بين شخصية فطوم حيص بيص تلك، وبين شخصيات نجاح حفيظ اللاحقة، فقد بقيت تلك الشخصية طاغية، وغدت مقياساً لتجربة حفيظ التي عملت في السينما أيضاً، إذ شاركت في أفلام مثل:"عندما تغيب الزوجات"،"أنت عمري"،"حارة الجواري"،"تجارب عائلية"، كما شاركت في عروض مسرحية، وأعمال إذاعية. هذا المشوار الطويل في مضمار الفن أكسب حفيظ، المولودة عام 1941، معرفة واسعة بما يدور في كواليس الوسط الفني الذي تحكمه"الفوضى والمزاجية"، وذلك نتيجة"النزعة الجامحة لدى الفنانين نحو الظهور والشهرة بطرق سهلة وسريعة"، كما تعبر حفيظ. هذه السرعة، والاستسهال أفقدا، في رأيها، الممثل الصدقية في أداء الدور، فهو يعمل في شكل حثيث، فما إنْ ينهي مشهداً في هذا المسلسل حتى ينتقل إلى تجسيد مشهد آخر في مسلسل مختلف، ومثل هذا الإيقاع السريع"المتداخل أساء إلى سمعة الممثل، والى مكانته. وتشير إلى"أنها، وخلال تجربتها الطويلة، رفضت، مثلاً، القيام بأدوار شريرة لئلا تشوّه صورتها أمام المشاهد الذي عرفها في ادوار المرأة الطيبة، والأم الرؤوم...". وتعقد حفيظ مقارنة بين طبيعة الفن في الماضي، وطبيعته اليوم، فتقول:"في الماضي كان الفنان يجتهد، ويحارب وسط صعوبات فنية واجتماعية، ويعمل لسنوات حتى يحقق الشهرة التي تقدم، اليوم، للممثل على طبق من ذهب"من دون أي جهود. فالفضائيات، اليوم، في وسعها أن تلمّع فناناً مغموراً"عديم الموهبة، وتتجاهل، في الآن ذاته، فناناً آخر يتمتع بطاقات وقدرات تمثيلية رفيعة". وتضيف أن هذه التكنولوجيا الفضائية هي"نعمة ونقمة في آن واحد، فهي تتيح للممثل حضوراً جماهيرياً واسعاً على عكس الماضي، وأنا لا أزعم أن شهرة كل الفنانين زائفة، بل هناك من يستحق هذا الانتشار الفضائي حقاً، بينما في الماضي، كانت رقعة انتشار التلفزيون محدودة جداً، وهو ما شكل عائقاً أمام الانتشار الواسع للفنان سواء كان جيداً أم رديئاً". وفي نبرة حنين إلى الماضي، تقول:"كانت الأعمال الدرامية قليلة جداً، وكان ثمة عشق لهذا الفن الوليد، وكنا نخشى من الوقوف أمام الكاميرا، ونأخذ رأي الجمهور، وردود أفعاله، في الحسبان. فالإطلالة على الشاشة لم تكن سهلة، بل كانت لها محاسنها ومساوئها، لذلك كنا ندرس النص، ونقوم ببروفات مضنية، ونناقش ونتحاور مع كاتب السيناريو والمخرج للوصول إلى الصيغة النهائية التي نراها مناسبة. وكان كل عمل درامي جديد هو بمثابة ولادة جديدة، وحدث استثنائي، أما الآن فقد كثرت المشاغل والمسؤوليات، وهيمنت القيم الاستهلاكية، وسادت الرغبة في جني الأموال... لذلك يرتبط الفنان بأكثر من عمل في وقت واحد، فلا يعطي كل الوقت والجهد الذي يستحقه كل عمل على حدة". ومع هذا، تعترف حفيظ ب"نجاح الدراما السورية وتميزها"اللذين جاءا نتيجة تراكم طويل،"فالأعمال الدرامية التي أنجزها الرواد أسست لمثل هذا البروز". وتعرب حفيظ عن استيائها مما يحصل من خلط في التخصصات،"فالمصور الآن يخوض تجارب إخراجية، ومدير الإضاءة يصبح كاتباً للسيناريو، بين ليلة وضحاها، والمنتج يتدخل في كل كبيرة وصغيرة على رغم أنه قد لا يفقه من الدراما شيئا، لكنه يفرض رأيه بصفته ممولاً للعمل!". وتؤكد ان"على الفنانين والفنيين تجاهل الجهة المنتجة، وان يكون ذلك شرطاً مذكوراً في العقود المبرمة بينهما". وعلى رغم اعترافها بأن بعض العيوب التي تعاني منها الدراما كانت موجودة في السابق كذلك، كالشللية، مثلاً، لكنها تقول ان"الفنانين كانوا، آنئذ، قلائل، وبسهولة كان يمكن معرفة الفنان الناجح من الفنان المدّعي، أما الآن فثمة أعداد هائلة من الفنانين، ومن المسلسلات، ومن المحطات الفضائية، ومن الجهات المنتجة... فغابت المعايير الدقيقة"القادرة على الفرز بين غث الفن وسمينه".