انقضى اليوم الأول من "إجازة" الثلاثة أيام التي حددها الرئيس المكلف تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة فؤاد السنيورة للمشاورات الجارية بحثاً عن مخرج للعقبات التي ما زالت تؤخر ولادة حكومة الوحدة، على أحداث دموية في عاصمة الشمال، طرابلس، نتيجة تجدد الاشتباكات على محاور أحياء القبة، باب التبانة، جبل محسن، ما أدى الى سقوط 4 قتلى بينهم عنصر في قوى الأمن الداخلي وجرح أكثر من 25 شخصاً. ونشطت الاتصالات واللقاءات برعاية مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار لإعادة الهدوء الى هذه الأحياء، فيما غادر السنيورة بعد ظهر أمس الى فيينا لتمثيل لبنان في المؤتمر الذي يعقد اليوم للدول المانحة لإعادة إعمار مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين في شمال لبنان. راجع ص 7 و8 وكادت الاشتباكات التي تجددت فجر امس في عدد من أحياء طرابلس واستخدمت فيها المدافع وقذائف ال "آر بي جي" والرشاشات، تطغى على الحدث الاستثنائي الذي شهده لبنان، وللمرة الأولى خارج الفاتيكان، وتمثل في إعلان الأب يعقوب الحداد الكبوشي 1875- 1959 طوباوياً جديداً في احتفال ضخم في ساحة الشهداء في وسط بيروت في حضور الرؤساء الثلاثة ميشال سليمان ونبيه بري وفؤاد السنيورة والبطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير ورئيس مجمع الكنائس الشرقية الكاردينال موسى الأول وبطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام وممثل البابا بنديكتوس السادس عشر رئيس مجمع دعاوى القديسين الكاردينال خوسيه ساريفا مارتنس. كما حضر الاحتفال الذي أُقيم في الهواء الطلق مئات الألوف من اللبنانيين الذين وفدوا من بيروت وسائر المناطق المسيحية في الجبل والجنوب والبقاع والشمال، إضافة الى عدد من الرؤساء السابقين وعشرات الوزراء والنواب الحاليين والسابقين. وكان السنيورة أعلن تعليق المشاورات لثلاثة ايام لفسح المجال امام الاحتفال بتطويب "أبونا يعقوب حداد الكبوشي" واضطراره للسفر الى فيينا لحضور اجتماع الدول المانحة لإعادة إعمار مخيم البارد إضافة الى استضافة الرئيس سليمان القمة المسيحية - الإسلامية غداً في القصر الجمهوري في بعبدا ويشارك فيها جميع رؤساء الطوائف، على ان تتوج بغداء يقيمه رئيس الجمهورية على شرف القادة الروحيين في حضور بري والسنيورة. لكن هناك من يعتقد بأن الرؤساء الثلاثة والمعنيين بتأليف الحكومة في الأكثرية والمعارضة في حاجة الى "فرصة" تتيح لهم تقويم ما آلت إليه المشاورات في ضوء مواقف الأطراف من المشاريع المطروحة للتركيبة الوزارية وبالتالي التفكير في البدائل في حال بقيت العقبات على حالها ولم تنجح الاتصالات في تذليلها. وإذا كان سليمان والسنيورة متضامنين في الموقف ومنسجمين في تحديدهما العناوين الرئيسة للمرحلة المقبلة والانعكاسات السلبية المترتبة على تأخر ولادة الحكومة، فإنهما متفاهمان ايضاً على الدور الذي يقوم به بري في اتجاه قوى أساسية في المعارضة للتوافق معها على المخرج الذي يمنع تمديد أزمة التأليف. إلا ان الأحداث الدموية التي ضربت فجر امس، عدداً من أحياء طرابلس وخصوصاً ما هو معروف منها بالمحاور التقليدية التي تندلع فيها الاشتباكات بين السنّة في باب التبانة والقبة والعلويين في جبل محسن، فاجأت الوسط السياسي وأربكت القوى الأمنية من جيش وقوى أمن داخلي، باعتبار ان هذه المناطق كانت تشكل على الدوام نقاط التوتر التي تندلع فيها الاشتباكات وتتمدد باتجاه احياء جديدة في طرابلس. وقالت مصادر أمنية رفيعة ل "الحياة" ان بوادر التوتر بدأت تهدد هذه المناطق منذ ثلاثة ايام عندما ألقي عدد من القنابل اليدوية من بعل محسن على باب التبانة، لكن الاتصالات ادت الى تهدئة الوضع ونجحت في استيعاب ردود الفعل من خلال الضغط على اهالي باب التبانة ومنعهم من الرد. وأكدت المصادر نفسها ان رئيس كتلة "المستقبل" النائب سعد الحريري تدخل ضاغطاً على اهالي باب التبانة داعياً إياهم الى ضبط النفس وعدم الرد، مشيرة ايضاً الى دور قيادتي الجيش وقوى الأمن الداخلي ومسؤولين في طرابلس، إضافة الى مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار. لكن الاشتباكات اندلعت نحو الرابعة صباح امس، عندما تعرضت محلتا باب التبانة والقبة الى إطلاق نار غزير أعقبه - كما تقول المصادر الأمنية - إطلاق رشقات من رصاص القنص. وتابعت ان الوضع بقي عند هذه الحدود حتى السادسة، عندما انهمرت قذائف المدفعية وال "آر بي جي" على باب التبانة والقبة ما اضطر الأهالي الى الرد خصوصاً بعد تعرض الشوارع في هاتين المنطقتين الى رصاص قنص كثيف مصدره مرتفعات جبل محسن. ومع اشتداد الاشتباكات تدخل المفتي الشعار ومسؤول مخابرات الجيش في الشمال العميد توفيق يونس ورئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي وعدد من نواب طرابلس ومسؤول تيار "المستقبل" في الشمال عبدالغني كبارة وعبدالله بابتي من "الجماعة الإسلامية" في محاولة للجم التدهور وإعادة الهدوء الى هذه المحاور الثلاثة. لكن الوضع الميداني ظل يتأرجح بين التهدئة واستمرار الخروق لوقف إطلاق النار التي توسعت مساء، ما دفع المفتي الشعار الى الدعوة لعقد اجتماع موسع في منزله في حضور العميد يونس انتهى الى التشديد على ضبط النفس والتجاوب مع مساعي التهدئة وعدم الانجرار الى تهديد الاستقرار العام وعلى أن يتولى الجيش الحفاظ على الأمن والتدخل لوقف الاشتباكات وإزالة جميع المظاهر المسلحة. وإذ نفى عدد من الذين شاركوا في الاجتماع ان يكون تيار "المستقبل" طرفاً في القتال في مواجهة محازبي "الحزب العربي الديموقراطي" بقيادة رفعت علي عيد في جبل محسن، أكدوا في المقابل ان الأهالي اضطروا للرد دفاعاً عن النفس كاشفين ان مجموعات من السلفيين شاركت في الرد وأنهم كانوا من بين المدعوين لحضور الاجتماع. وأعرب هؤلاء عن مخاوفهم من ان تتحول المنطقة الفاصلة بين القبة وباب التبانة من جهة وجبل محسن من جهة ثانية، الى خط تماس، كما كان يحصل في فترات الحروب اللبنانية، وسألوا عن اسباب لجوء بعض قيادات المعارضة الى التحريض عندما تحدثت اخيراً عن استقدام السلاح الى طرابلس لمصلحة الأكثرية وعلى رأسها تيار "المستقبل"، وأكدوا ان معظم القيادات في طرابلس وفي مقدمها المفتي الشعار كانت طوال أمس على تواصل مع النائب الحريري الذي بارك خطوة الأول دعوة جميع الأطراف، بمن فيهم ممثلون عن جبل محسن، الى اجتماع عقد مساء أمس في منزله في حضور العميد يونس وعدد من ضباط قوى الأمن. مشدداً ايضاً على ضرورة تفويت الفرصة على محاولات الإيقاع بين أبناء المدينة الواحدة لأسباب أصبحت معروفة. وعلمت "الحياة" ان ممثلي عائلات باب التبانة غابوا عن الاجتماع بعدما أبلغوا الشعار انهم مع التهدئة لكنهم طلبوا تعهداً بوقف الاعتداء على مناطقهم وإيجاد حل جذري للمشكلة متهمين سورية بالوقوف وراء الاشتباكات من خلال الحزب "العربي الديموقراطي". كما أكدوا استعدادهم ل "الجهاد دفاعاً عن أهل السنّة". وأكد المجتمعون ضرورة التهدئة والتصدي لمحاولات إحداث الفتنة في طرابلس وأن القيادات الطرابلسية اتفقت على عقد اجتماع آخر برعاية الشعار مع ممثلين عن عائلات باب التبانة والقبة لوضعهم في صورة ما اتفق عليه من خطوات لتعزيز التهدئة ووضع حد للاشتباكات ودعم دور الجيش لحفظ الأمن. ونقلت مصادر المجتمعين ان الاجتماع مع العائلات سيكون تمهيداً لاجتماع موسع آخر تُدعى إليه فاعليات جبل محسن بغية التوصل الى الإعلان عن ميثاق شرف يمنع القتال يعقبه تبادل اللقاءات بين عائلات القبة وباب التبانة من جهة وعائلات جبل محسن تكريساً للمصالحة التي يؤمل بأن تقضي على التوتر وتزيل خطوط التماس نهائياً من الأحياء. وفي عين الحلوة، شرق مدينة صيدا، أُصيب أحد قياديي "جند الشام" عماد ياسين بجروح في صدره ورجليه بانفجار اصبع ديناميت لدى مروره مع علي مصطفى في حي الطوارئ داخل المخيم، ما ادى الى توتر الوضع. وبالنسبة الى القمة الروحية التي يستضيفها سليمان غداً في بعبدا، قالت مصادر مواكبة للتحضيرات الجارية لعقدها ان رئيس الجمهورية لن يشارك فيها، وأنه سيلقي في مستهلها كلمة يرحب فيها بالقادة الروحيين. وأكدت المصادر ل "الحياة" ان مجرد عقد القمة في بعبدا يعني ان لدى القادة الروحيين التوجه لتأكيد دعمهم للعهد الجديد منذ انطلاقته الأولى، مشيرة ايضاً الى ان البيان المشترك الذي سيصدر عنهم سيكون بمثابة رسالة وفاقية باتجاه الداخل وأخرى للخارج وفيها الإصرار على العيش المشترك بين اللبنانيين والتأسيس للحوار الوطني الذي سيرعاه رئيس الجمهورية والذي تقرر في مؤتمر الدوحة. كما سيركز القادة الروحيون في بيانهم الختامي على الثوابت الوطنية سواء بالنسبة الى التنوع في الداخل اللبناني او التمسك بصيغة العيش المشترك واحترام الرأي الآخر، واعتبار الاختلاف امراً طبيعياً، وعدم جواز اللجوء الى السلاح لحسم الخلاف بين اللبنانيين، واعتماد الحوار والانفتاح ودعم كل الجهود الآيلة الى استعادة دور المؤسسات في الدولة.