لم يعد العداء محكماً بين التلفزيون والسينما، ففي بدايات ظهور التلفزيون نظر إليه سينمائيون بصفته وسيلة لهو وتسلية فحسب، وقد وجّه مخرجون سينمائيون كبار انتقاداً لاذعاً الى هذا الجهاز الذي سرق، حسب رأيهم، جمهور السينما، وشوه"ذائقته البصرية"بصور باهتة"تطبخ على عجل"، لكن الأمور تبدلت بالتدريج إلى أن وصل الحال إلى نوع من التكامل، إذ تتعاون الشاشتان بعد أن عثرتا على مصالحة ضرورية، وملحّة. هذا التقارب بين السينما والتلفزيون ليس طارئاً، ومفاجئاً، فالمخرج الألماني فاسبندر على سبيل المثال والذي رحل مطلع الثمانينات، كان يعمل في التلفزيون، ويخرج في الوقت ذاته أفلاماً سينمائية متميزة، ولا يمكننا أن نحصر قائمة المخرجين الذين حققوا، في مراحل سابقة، أعمالاً للشاشتين، ليقينهم، ربما، أن هذين الفنين لا بد من أن يتعاونا في النهاية، وحتى في العالم العربي توجه الكثير من المخرجين السينمائيين الذين ناصبوا التلفزيون العداء لسنوات، إلى إخراج مسلسلات درامية، ناهيك عن أن الممثلين"النجوم الذين يظهرون في أعمال سينمائية، يشاركون، في الآن ذاته، في مسلسلات درامية، بل ويقدمون برامج تلفزيونية. والتلفزيون الذي قيل انه أخذ جمهور السينما راح يهتم بالفن السابع، فثمة برامج في غالبية المحطات الفضائية تتناول هموم السينما وقضاياها وتحاور نجومها ومخرجيها، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل ظهرت فضائيات متخصصة في بث الفيلم السينمائي"بعضها مخصص للأفلام العربية وبعضها الآخر مخصص للأفلام الأجنبية، بل تقلص التخصص إلى الحد الذي ظهرت فيه فضائيات تعرض نوعية معينة من الأفلام مثل"إم بي سي آكشن"، وهذه القنوات المتخصصة بالأفلام السينمائية تزداد، فقبل نحو شهر دخلت قناة"فوكس موفيز"إلى القائمة، وقريباً ستنضم قناة"كايرو سينما"، التي بدأت بثها التجريبي، إلى القائمة ذاتها. وإذا تعمقنا أكثر في تبيان ملامح هذه المصالحة، فسنجد أن محطات فضائية كثيرة مولت أفلاما سينمائية، والكثير من شركات الإنتاج تقدم نفسها بهذا التعريف:"شركة ... للإنتاج السينمائي والتلفزيوني"، وإذا ما عقد مهرجان سينمائي هنا وهناك، فإن التلفزيون يكون حاضراً لتغطية نشاطات المهرجان، ويناقش الضيوف... ولا شك من أن التلفزيون، كوسيلة إعلام، هو الأكثر قدرة على نقل أجواء، أو اتجاهات تلك المهرجانات، والسينما، بدورها، اتكأت، بهذه الطريقة أو تلك، على التلفزيون في إنجاز أفلامها. لقد ساهمت عوامل كثيرة، وعبر سنوات، في تحقيق هذه"العلاقة الدافئة"بين الشاشتين، فقد وجد المهتمون والعاملون في المجالين، أي السينما والتلفزيون، أن من السذاجة بمكان إبعاد أحد الفنين على حساب الآخر، طالما أن الفنين اثبتا قدرة على الحضور، فالسينما، التي تنبأ بعضهم بتراجع دورها، تزداد وهجاً وتألقاً، والتلفزيون، الذي قيل انه"سطحي ومبتذل"، يحظى بنسب مشاهدة ساحقة، وأمام هذا الواقع كان لا بد من البحث عن توازن يتيح لكل فن دوره، ومجاله، ويكرس لتفاهم بين شاشتين يمكن اللقاء بينهما، على رغم الفوارق، والاختلافات...