"إن ما يُعمل للتلفزيون لا يمكن أن يتصف بالسحر الذي تتصف به السينما"، يقول المخرج الإيطالي الكبير فيلليني، ويضيف مقللاً من أهمية التلفزيون في مقابل السينما:"إن أفلامي السينمائية هي أولادي، أما أفلامي التلفزيونية فهي أشبه بأبناء الأخوة والأخوات". كان مثل هذا الكلام مقبولاً، ومستساغاً حتى وقت قريب، إذ كان يعبر عن العداء التقليدي الذي ساد العلاقة بين الشاشتين الصغيرة والكبيرة. لم يدُر في خلد فيلليني، وغيره من السينمائيين ممن نظر إلى التلفزيون كجهاز رتيب يفتقر إلى روح الإبداع، والابتكار، ان هذا الجهاز سيفرض حضوره إلى الدرجة التي سيستسلم فيها السينمائيون لسحر أضوائه، وللإغراءات الكثيرة التي يقدمها للعاملين في رحابه. ولعل الأخبار الآتية من عاصمة الفن، القاهرة، والتي تقول ان عدداً من السينمائيين المصريين المعروفين، مثل رأفت الميهي ونادر جلال وإيناس الدغيدي وعادل الأعصر ومجدي أحمد علي وعمر عبد العزيز وأحمد السبعاوي... وسواهم يستعدون لخوض تجارب درامية تلفزيونية، يترجم ما سبق قوله من جهة، ويشير من جهة ثانية إلى مصالحة طبيعية بدأت تتبلور ملامحها بين التلفزيون والسينما. ففي ظل الواقع البائس الذي تعيشه السينما، طبيعي أن يتجه السينمائيون إلى التلفزيون الذي أتاح بقنواته الفرصة أمام عدد كبير من مخرجي الدراما التلفزيونية. ولما كانت الحاجة إلى إنتاج مزيد من الأعمال الدرامية مطلباً تلفزيونياً بامتياز، لم يعد مستبعداً أن يستعين القائمون على هذه الفضائيات بمخرجي السينما، واستثمار نجاحهم، خصوصاً ان هؤلاء السينمائيين وجدوا أنفسهم غرباء عن الموجة السينمائية السائدة في السينما المصرية في السنوات القليلة الأخيرة. فهذه الأفلام التي توصف بپ"الشبابية"لا تتفوق كثيراً، في معالجتها وحبكتها الدرامية، عن المسلسلات التلفزيونية، وبالتالي، فإن المخرج السينمائي الذي ترك حلبة السينما، لم يشعر كثيراً بالغبن، بل ربما اعتقد بأنه قادر على تجسيد رؤاه عبر الدراما التلفزيونية أكثر منها في السينما الخاضعة لرؤوس أموال تبحث عن الربح السريع، ولا تلتفت كثيراً إلى تلك الجماليات التي يختزنها الفن السابع. لا مبالغة في القول ان الفرصة الذهبية أمام الفيلم السينمائي هي التلفزيون. ويعرف السينمائيون هذه الحقيقة اكثر من غيرهم، ما أوجد نوعاً من الألفة بين التلفزيون وبين السينمائي الذي يشاهد فيلمه على شاشة التلفزيون مراراً، وراح يعيد تقويمه لهذه الوسيلة الإعلامية الحاضرة في كل مكان، فكانت النتيجة قبوله إنجاز أعمال درامية تلفزيونية، وخصوصاً ان المنتجين المستعدين للصرف بسخاء على أسوأ عمل درامي ذي ربح مضمون، يتوجسون خشية من الإقدام على مغامرة إنتاج فيلم سينمائي قد لا يستطيع، عبر إيرادات شباك التذاكر، استعادة رأس المال الذي يوصف بپ"الجبان". في ظل الظروف القائمة، السينمائيون محقون في التوجه إلى التلفزيون، ولئن هم أخفقوا في تحقيق مشاريعهم السينمائية لأسباب كثيرة، فقد يشكل عملهم في التلفزة فرصة مناسبة للارتقاء بالدراما التلفزيونية، ولتحقيق جزء، ولو ضئيل، من أحلامهم السينمائية المؤجلة.