منذ عقد ونصف عقد من سنوات الإنتاج الدرامي الرمضاني، غابت عن شاشاتنا الصغيرة التمثيلية التلفزيونية التي كانت سابقاً رائجة وذات مواصفات فنية عالية المستوى بالنظر إلى طبيعة بنائها كسيناريو يقوم على التكثيف ويقارب الفيلم السينمائي. وأيضاً بسبب المستوى الجدّي الذي تمتعت به الدراما التلفزيونية التي لم تكن قد دخلت بعد مرحلة الغزارة الإنتاجية. التمثيلية التلفزيونية رفيقة المشاهد في سهرة واحدة، وهي لهذا تحتاج موضوعاً حيوياً وحبكة درامية مشوّقة. وفي الوقت ذاته تفتح باب النقد المباشر. وبصورة فورية لم تعد متوافرة هذه الأيام مع مسلسلات الحلقات الثلاثين، ومع غزارة ما تزدحم به الشاشة الصغيرة منها، خصوصاً في شهر الصوم، ما يجعل مجرّد تذكر المسلسل صعباً، ناهيك عن ملاحقة تفاصيله وتقديمه للنقد الموضوعي إلا في حالات خاصة هي تلك التي تتعلّق بالناقد المتخصص ولا تشمل المثقفين أو جمهور المشاهدين. التمثيلية التلفزيونية فن درامي مستقل وله مواصفاته. وهي بحسب هذه المواصفات تذهب مباشرة إلى تقديم حدثها ووقائعها للمشاهد من دون تمهيد طويل، مثلما لا تنغمس في حوارات تفيض عن حاجتها بما يدفع الكاتب والمخرج وطاقم العمل كله إلى الاتكاء على قوّة الصورة وما يمكن أن يحققه المشهد من بلاغة الحضور بتكثيف وتركيز يوصلان المطلوب الذي يحقق التفاعل. هذه المواصفات"السينمائية"للتمثيلية التلفزيونية جعلت المشاهدين العرب في كل بلدانهم ينجذبون بقوّة إلى الأعمال الدرامية التي قامت على القصص المستقلة في كل حلقة، والتي هي تمثيليات تحكي كل واحدة منها حكاية مختلفة فتحقق نجاحاً لافتاً كما رأينا في"الفصول الأربعة"قبل سنوات، خصوصاً أن هذا اللون من الدراما التلفزيونية يعفينا من الثرثرة أولاً، ومن المتابعة الإجبارية التي قد لا تتوافر للمشاهد دائماً. هو نوع من الحل، لكنه يقوم على الإتقان وقوّة الحبكة ولا تنفع معه التقاليد السائدة هذه الأيام. ثمة حنين خاص إلى التمثيلية التلفزيونية يمكن أن تشبعه مسلسلات القصص المستقلة حتى في رمضان.