واحدة من شخصيات المسلسل البريطاني الشهير "ايستندرز"، هي لشاب قاس، يعود الى عائلته والحي الذي يسكن فيه بعد فترة غياب، ليثير المشاكل، مستخدماً العنف الجسدي في أحيان كثيرة. وتبقى أسباب تصرفات هذا الشاب مجهولة للمشاهد فترة زمنية طويلة، الى أن يفصح المسلسل الأكثر شعبية في بريطانيا اكثر من 12 مليون مشاهد لكل حلقة، وبعد حلقات، ان أسباب العنف والمشاكل الأخرى التي يعانيها، تعود الى خدمته في الجيش البريطاني في البصرة، في جنوبالعراق. وفي إحدى حلقات المسلسل الأخيرة، يتحدث هذا الجندي وبكثير من التفاصيل عن"الأهوال"التي عاشها"هناك"والأصدقاء الذين فقدهم، بطريقة تجعل المشاهد يتعاطف معه بعد ان مقته طوال الحلقات السابقة... حضور حرب العراق في البرامج التلفزيونية البريطانية بات مألوفاً. فهذه الحرب التي تجاوز عمرها السنوات الخمس، بدأت بالتسلل بثبات الى عدد من البرامج والمسلسلات التلفزيونية البريطانية. فمثلاً، دارت إحدى قصص مسلسل الجريمة والتحريات المعروف"إيقاظ الموتى"التي عرضت أخيراً، حول أحد الجنود الانكليز الذين خدموا في العراق، ولقي حتفه بعد عودته الى الديار بعد أن خطف لأسابيع، لتبين التحقيقات في النهاية أنه قتل قريباً من قاعدته العسكرية في بريطانيا على يدّ زميل آخر خدم في العراق، وان هذا الأخير لم يتخلص من العنف الذي شهده هناك، فحمله معه الى بريطانيا، وكانت نتيجته قتل زميله الشاب. دراما المستشفيات البريطانية، تناولت أيضاً موضوع حرب العراق، ومنها مسلسل"الإسعاف"الذي تعرضه القناة البريطانية الأولى كل سبت. فهذا المسلسل الذي يعرض منذ اكثر من 15 سنة، تناول في اكثر من حلقة من حلقاته حرب العراق، حتى انه ذهب الى ابعد من مجرد الحديث عن هذه الحرب، إذ تناولت حلقتان منه قصة منفصلة تدور في العراق مع ذهاب فريق من المستشفى الى هناك في مهمة للجيش البريطاني. المسلسل الطبي الآخر"هولبي سيتي"، لم تغب"أهوال"العراق عنه، إذ دارت أكثر من حلقة من حلقاته حول مرضى مصابين بأعراض غريبة نتيجة اشتراكهم بهذه الحرب او لوجودهم في العراق لفترة معينة. وتكاد الإشارات الى الحرب في العراق في هذه البرامج تتشابه، فهي في غالبيتها تظهر العائدين من الحرب مصابين بأمراض الكآبة وعدم القدرة على الاندماج في حياتهم وعائلاتهم في بريطانيا. وغالبية هذه الشخصيات تتجه الى العنف، وتجد صعوبة كبيرة في نسيان عنف الحرب الذي عاشته، لذلك يقترف هؤلاء العائدون جرائم في مجتمعاتهم"الأمينة"، فيصدعون الحياة الطبيعية لهذه المجتمعات. الحرب في العراق حضرت أيضاً في المسلسلات والبرامج الكوميدية البريطانية، ولو لم تكن بالنسبة ذاتها التي حضرت فيها في البرامج الدرامية. واللافت أن على رغم الحرية الكبيرة لوسائل الإعلام البريطانية، ابتعدت البرامج الكوميدية عن إطلاق النكات حول وضع الجيش البريطاني في جنوبالعراق، احتراماً لعائلات الجنود الذين قتلوا هناك، وعائلات الجنود الأحياء أيضاً. وهذه الحرب تحضر كوميدياً فقط، على شكل نكات تطلق على الرئيس الاميركي جورج بوش، او على رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير. أسلحة الدمار الشامل العراقية وهي التي كانت السبب الذي استخدمته الولاياتالمتحدة وحلفاءها في حربهم في العراق تحضر أيضاً في نكات كثر من الكوميديين البريطانيين كطرفة يبدو انها لن تتوقف قريباً. وعلى رغم النيات الحسنة لصناع تلك البرامج، بإدانتهم الحادة، المبطنة حيناً، والمباشرة أحياناً لحرب العراق، وللحرب بالمطلق، الا ان هذه الصورة المكررة عن الأبعاد الاجتماعية والنفسية للحرب، لم تتطور الى شكل أكثر ذكاء وواقعية ونزاهة بتعبيره عن الحرب وآثارها، من دون نسيان ارتباط الحروب بالطبيعة البشرية، وان البرامج التلفزيونية يجب ان لا تسرف في تقديم"كاريكاتير"تقليدي للحرب، ربما يفشل في التأثير في كثيرين او حتى في جذب الانتباه للمشاهدة.