عرفت الفكاهة البريطانية بالاختصار والسخرية تقليدياً، فالمجتمع البريطاني عموماً قليل الكلام والانفعال. ويأخذ حس النكتة عند البريطانيين طابعاً جارحاً لانه غالباً ما يعتمد على الاستهزاء من وضع اجتماعي أو فئة معينة من الشعب خصوصاً الساسة والحكام. وبدأ الجيل الجديد من الشباب البريطاني يتجه نحو شكل حديث من الفكاهة مع تأثير الثقافة الأميركية على الشارع البريطاني، خصوصاً عبر البرامج التلفزيونية التي غزت شاشات التلفزة البريطانية عبر المحيط. وأصبحت هذه الفكاهة اكثر فاعلية، مع كوميديين يتخذون شخصيات مبالغاً إحدى سماتها مثل السذاجة أو التملق. وكانت النكات البريطانية في السابق تستند الى ظاهرتين تاريخيتين: الطقس الممطر والعداء التاريخي للفرنسيين. ومن بين أشهر النكات عن الطقس البريطاني ان كل من يأتي الى المملكة المتحدة يبدأ بالحديث عن الطقس خلال أيام ولا ارادياً يصبح الجو المتقلب محور احاديث طويلة. ويقال ان أولى علامات التأقلم مع الاقامة في البلاد هي الحديث المطول عن الطقس الذي يسيطر على ملابس المرء ومزاجه وتحركاته. ومن المعروف ان التقلب في الجو البريطاني محور اساسي في الحديث العام بين الاصدقاء والأغراب على حد سواء. ويقال ان أشهر مذيعي الطقس في قناة"بي بي سي"مايكل فيش اشتهر بقدرته على التنبؤ الخاطئ بحالات الجو اكثر من أي شيء آخر! كما ان النشرة الجوية معروفة قبل اذاعتها، فالنشرة التقليدية تذيع:"جو متقلب مع بعض الامطار وربما القليل من الشمس!". ولكن اليوم ينتبه الشباب البريطاني الى النكات السياسية أكثر من غيرها. ويتوجه شباب العاصمة البريطانية الى دكان الكوميديا أو"كوميدي ستور"الذي يستقبل نحو 3500 زائر اسبوعياً للاستمتاع الى مونولوجيست ساخرين بكل ما يمس المجتمع البريطاني، من الهجرة الى الضرائب. واشتهر المقهى بمسرح صغير يستقبل اشهر الكوميديين البريطانيين. ويحظى الفرنسيون بحصة الاسد في سخرية البريطانيين، اذ يعتبر البعض فرنسا رمزاً للتكبر الاجتماعي والضعف العسكري. واحدى النكات تقول ان نشرة اخبارية عاجلة أعلنت"استجابة لتحذيرات من عمل ارهابي، رفعت فرنسا حال الحذر الأمني من الاختباء الى الهروب". ومن محل"كوميدي ستور"تنطلق احدث النكات التي تتداول في الشارع وفي محطات الراديو والتلفزيون. واسس المتجر قبل عشرين عاماً مع تغيير في طابع الفكاهة البريطانية التي أصبحت في المجال العام وتعتمد على وسائل الاعلام مثل التلفزيون والراديو. ولا تخلو الفكاهة البريطانية من السياسة خصوصاً مع انتشار برامج كوميديا تلفزيونية مثل"هاف اي غوت نيوز فور يو"الاسبوعي والذي يعتمد على اخبار الاسبوع من سياسة واشاعات واخبار المشاهير. ولم تفلت الولاياتالمتحدة ولا رئيسها الأميركي من الفكاهة البريطانية الجارحة. ويرى البريطانيون ان من يتحدث باللكنة الاميركية لا يتحدث الانكليزية. وتتجدد النكات حول الكلمات الأميركية وطريقة لفظها. ويقول البريطانيون ان من سمات الاميركي انه"يستطيع لفظ الكلمة بأي طريقة ويبقى على صواب"، وان الاميركيين"يحصلون على رئيسة جمهورية من دون انتخابها"، في اشارة الى دور السيدة الأولى هيلاري كلينتون ومن بعدها لورا بوش. ومع الاحداث السياسية الأخيرة، صارت العلاقة بين جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير تثير غضب البعض واستهزاء البعض. وأصبح وصف بلير بأنه"كلب البودل"لبوش تقليدياً لهذا الجيل من الشباب البريطاني الذي يعارض في غالبيته التحالف مع الولاياتالمتحدة. وهنا صفة"بودل"تدل إلى تلبية بلير كل أوامر بوش، ولكن كلب"بودل"معروف بذكائه وهذا ما يجعله وفياً لبوش ويحاول نصيحته. وعلى رغم ان البرامج التلفزيونية الاميركية مثل مسلسل"فريندز"اشتهرت في بريطانيا، الا ان الكوميديا البريطانية ما زالت تلاقي صعوبة بالنجاح في الولاياتالمتحدة. وبينما نجح برنامج الممثل ساشا بارون كوهين"دا علي جي شو"في بريطانيا، فشل في الولاياتالمتحدة واعتبر جارحاً جداً وغير لائق. واعتمد كوهين الذي اشتهر باسمه الفني"علي جي"على السخرية من المهاجرين الى بريطانيا من الآسيويين. ولكنه أيضاً يسخر من الطبقة الارستقراطية في بريطانيا إضافة الى الساسة والمغنين. حتى ان مالك متجر"هارودز"محمد الفايد لم يسلم منه عندما حل ضيفاً في برنامجه. وبينما تقبل البريطانيون سخرية كوهين الذي لم يهتم بنتائج نكاته الجارحة، رفض الاميركيون ذلك. ففشل برنامجه في الولاياتالمتحدة واعترض الكثيرون عليه. وأخيراً اثار ضجة في ولاية كارولاينا الشمالية عندما حاول تصوير برنامجه مع استهزاء من الحرب في العراق، وغنى اغنية وطنية اميركية بسخرية. وبينما يتمسك الاميركيون بسياسة"التصحيح السياسي"في كل تعابيرهم، ما زال البريطانيون يتمتعون بروح دعابة منفتحة لا تمنع"علي جي"من الاستخفاف بمن يشاء.