في شمال العالم شكوى من الغلاء، وفي جنوبه مجاعة وحياة مهددة بسببه، وليست الحال أفضل في شرقه أو غربه او وسطه. فالازمة واحدة، وما يختلف هو تأثيرها بحسب غنى البلد الذي تجتاحه موجة الغلاء أو فقره. ولعل أخطر آثار الأزمة ما صدر عن البنك الدولي منذ ايام، بأن حياة اكثر من 100 مليون انسان مهددة بسبب ارتفاع اسعار السلع الاساسية، في بلدان تكون الأخيرة فيها عبارة عن وجبة واحدة، وعدم قدرة البنك على المساعدة بسبب الغلاء المستفحل، وهنا تكمن المأساة. وعلى رغم ان بوادر الأزمة بدأت منذ عام تقريباً، الا ان وطأتها الأشد كانت اكبر خلال الشهور الثلاثة الأخيرة، حينما بدأت الدول الكبرى المنتجة للرز مثل فيتنام ومصر والهندوالصين، بمنع تصديره كلياً او فرض ضرائب اضافية على تصديره، منذ اواخر آذار مارس الماضي، ما جعل أسعاره ترتفع بمعدلات قاربت 40 في المئة، وليست حال القمح أفضل اذ سجلت اسعاره ارتفاعات مضاعفة وصلت الي أكثر قليلا مًن 200 في المئة عنها في اواسط 2006. ومع استمرار الأزمة، بدأت تساؤلات عن طولها. فمن قائل ان اسعار الغذاء وصلت قمتها ، وبالتالي فهي في وضع الاستعداد حالياً لعكس مسارها والاتجاه نحو الانخفاض، الى مؤكد أنها ما زالت في بداياتها ، وان الارتفاعات ستستمر خلال الاعوام المقبلة. وأصحاب الرأي الأول ومنهم كبير الاقتصاديين في معهد"غولدمان ساكس"جيم اونيل، الذي يرى ان زيادة الطلب على الغذاء في الهندوالصينوالبرازيل وروسيا تفسر بعض الارتفاع. لكنه يعتقد بأن المضاربين في بورصة الاغذية أوجدوا بمضارباتهم لتجميع اكبر ارباح ممكنة،"فقاعة"يشبهها بالفقاعات التي تحدث في اسواق الاسهم العالمية بين حين وآخر. فيما يعتقد الاقتصادي روبرت وارد من"ايكونوميست انتلجينس يونيت"في لقاء نشرته"الاوبزرفر"البريطانية، بأن" اسعار الغذاء ستشهد انخفاضاً بمعدل 8.5 في عام 2009، و17.6 في المئة في 2010 حينما يستجيب العرض لقوى الطلب الكبيرة حالياً، داعماً رأيه بسعي بعض الدول حالياً لاستصلاح مساحات زراعية اكبر وعودة استراليا للانتاج الكبير بعد الجفاف الذي اصابها العام الماضي. اما الرأي الثاني، وهو ان الاسعار ما زالت في بدايات ارتفاعها، والآتي اعظم، فيدعمه الكثير من التصريحات او السياسات التي اتخذها بعض الدول الكبرى، ويأتي في مقدمها تحذيرات البنك الدولي بأن اسعار الغذاء ستستمر في التزايد حتى 2015 ، ما يزيد نسبة الفقر في العالم من 3 الى 5 في المئة، كما ان الاستهلاك المتزايد للدول الاربع الصينوالهند وروسيا والبرازيل بعدد سكان يمثل 40 في المئة من مجمل سكان العالم، يشكل ضغطاً متنامياً على الطلب، ما يدفع الاسعار الى الارتفاع ، اضافة الى استخدام منتجات زراعية لانتاج"الوقود الحيوي"7 في المئة من انتاج الحقول في فرنسا على سبيل المثال، ويذهب ربع انتاج أميركا من الذرة وأكثر من نصف محصول القصب في البرازيل لإنتاج مادة"الايثانول". من ناحية السياسات، فإن ما قامت به اسواق الغذاء الكبرى في العالم من تحديد للحصص التي يمكن المستهلك شراءها من الرز، يعتبر جرس انذار لطول ازمة الغلاء. ففي اميركا مثلاً حددت اسواق"ول مارت"، و?"سامز كلوب"، وغيرهما الحصة التي يمكن المستهلك شراءها من الرز في كل زيارة ، ما لم تفعله أميركا طوال تاريخها، حتى خلال الحرب العالمية الثانية وعلى رغم تحديدها للكميات المشتراة من خارج أصناف الغذاء. وهي الخطوة التي قامت بها اسواق"ازدا"في بريطانيا حالياً، حيث لا يمكن للشخص شراء اكثر من كيسين من الرز، بعد ان تدافع المشترون لشراء كميات كبيرة وتخزينها خوفاً من ارتفاع مرتقب في اسعارها، ما يؤكد عدم التيقن من طول فترة الغلاء، الا انها بالتأكيد لن تكون عابرة.