ربما يغيب عن أذهان الكثيرين أن مصر بلد صحراوي أساساً، بل أنها البلد الأكثر صحراوية، إذا جاز التعبير، في القارة الأفريقية بمعنى أنها تأتي أولى في نسبة الأراضي الصحراوية الى المروية. ويرى بعض الخبراء أن هذه الواقعة تفرض على مصر رؤية استراتيجية"مزدوجة"، إذ يتوجب عليها الاهتمام بالصحراء وإمكاناتها وثرواتها والسُبُل التي تُمكن العيش فيها من ناحية، وكذلك إيلاء اهتمام فائق لمصادرها المائية التي تتمثل أساساً في نهر النيل، إضافة الى المياه الجوفية وبعض الواحات في صحاريها. ومع توضّح الصورة فعلياً بالنسبة الى ظاهرة الاحتباس الحراري، المرتبطة بالتلوث وغازاته التي تنبعث من حرب الوقود الاحفوري نفط وفحم، أُضيف الى استراتيجية المياه في مصر بُعد آخر. فمع ارتفاع حرارة الكوكب، يتسارع ذوبان الثلوج في القطبين مترافقاً مع ارتفاع مياه البحار والمحيطات. ويحمل ذلك أخطاراً الى الأراضي المُطلة على تلك المسطحات المائية، خصوصاً تلك التي تنخفض فعلياً عن مستوى البحار، كحال الدلتا في مصر. والمعلوم أن تلك البقعة التي تحاذي البحر المتوسط عبر شاطئ طويل، تضم الشريحة الأكبر من السكان، كما تتركز فيها معظم النشاطات الاقتصادية والاجتماعية والانسانية. وراهناً، يميل كثير من دول شمال افريقيا العربية الى تحلية مياه البحر المتوسط باستخدام الطاقة الذرية. ومن المتوقع أن يترافق ذلك مع قذف مخلفات عمليات التحلية المُكثّفة، خصوصاً الأملاح والرواسب والنفايات، في المتوسط الذي سيُصبح أكثر تلوثاً. وتترافق زيادة المياه المتدفقة الى ذلك البحر من القطب الشمالي خصوصاً، الى زيادة نسب المياه الجوفية في مناطق الدلتا القريبة من البحر. ويشير الاختصاصيون إلى تلك الظاهرة باسم"تطبيل"التربة العميقة. ويرون فيها مخاطر لأنها تخفض من القدرة الحيوية للتربة، وتقلّل خصوبتها وعطاءها. والمعلوم أن الدلتا هي المصدر الأساسي لأنواع كثيرة من النباتات التي تستخدم غذاء، ما يضيف تهديداً استراتيجياً آخر للأمن الغذائي في بلاد النيل، يضاف الى الارتفاع المُرشّح للاستمرار في أسعار المواد الغذائية والانخفاض في وفرتها. ولعل ما سبق ذكره مجرد جزء من قائمة طويلة. استراتيجية لمواجهة الأزمة المائية في مواجهة هذه الصورة الحسّاسة، وضعت الحكومة المصرية أخيراً استراتيجية مائية جديدة لمواجهة التغيرات المناخية، وصولاً إلى عام 2050. وأوضح وزير الموارد المائية الدكتور محمود أبو زيد ان في إطار هذه السياسة شُكّلت لجنة عليا للتغيرات المناخية في"وزارة الموارد المائية والري". أوكل إليها صوغ هذه السياسات وإعداد السيناريوات المتوقعة للوضع المائي مستقبلاً، مع الاستفادة من البيانات والمعلومات المتوافرة محلياً واقليمياً ودولياً. وتشمل قائمة المؤسسات المصرية المهتمة بالشأن المائي"قطاع التخطيط"و"مركز التنبؤ الهيدروبيولوجي"، و"معهد البيئة والتغيرات المناخية"و"الهيئة العامة لحماية الشواطئ"و"الهيئة العامة للسد العالي وخزان أسوان". وأكد أبو زيد أن وزارته تساهم في تنفيذ مشاريع البنية الأساسية التي تهدف الى الحفاظ على المياه والاستفادة المثلى منها، وسدّ الحاجات المتزايدة من السلع الغذائية، ومواجهة ارتفاع أسعار السلع الغذائية عالمياً، وتلافي التأثيرات السلبية للمتغيرات المناخية في الزراعة في الدلتا. وسبق لمجموعة من المنظمات العالمية أن حذّرت من ظاهرة التغير في المناخ، ووصفتها بأنها من أكثر المشاكل تهديداً للتنمية المستدامة على الكرة الأرضية. وبات معلوماً أن التزايد المطرد في انبعاث غازات الاحتباس الحراري الناتجة من تشغيل المصانع ومحطات توليد الكهرباء ووسائل النقل والمواصلات وحرق المخلفات والأشجار وسائر النشاطات البشرية، هو العامل المسبب لارتفاع درجة حرارة الغلاف الهوائي القريب من سطح الأرض. ويتوقع العلماء أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى ذوبان الجليد في القطبين وارتفاع مستوى البحار وغرق السواحل، واختفاء بعض الجزر ونقص مياه الشرب إضافة إلى التأثير في مجاري الأنهار والمناطق الساحلية وانخفاض إنتاجية بعض المحاصيل الإستراتيجية مثل الذرة والقمح والفول وقصب السكر. وتوقّعت الدراسات أن تؤدي التغيرات المناخية إلى حدوث اضطرابات متزايدة باستمرار في النظام المناخي، مثل استمرار التقلّب الحاد في معدلات سقوط الأمطار والثلوج، وتزايد الأعاصير والعواصف، وتأثر مجاري التيارات المائية في المحيطات والبحار والتي تؤثر مباشرة في الطقس كما في عيش الكائنات البحرية وتكاثرها وأساليب صيدها. وتبرز أهمية التغيرات المناخية بما لها من تأثيرات عميقة في الموارد المائية، ما يجعلها عنصراً أساسياً في السياسة المائية. كما تؤثر الزيادة المتوقعة في حرارة الكوكب في الدورة الزراعية وحاجات النبات، ما يؤدي الى اضطراب في دورة الطلب على المياه في الزراعة. وأكد أبو زيد إن السياسة الجديدة تتميز بالمرونة وتسمح باستيعاب هذه التغيرات والتعامل معها بصورة تقلل من آثارها السلبية. ولاحظ أن المجتمع الدولي أقرّ إطاراً عاماً للتعامل مع هذه الظاهرة قوامه 3 مراحل هي الرصد والدراسة، والتأقلم مع الظاهرة، والتخفيف من الآثار السلبية المصاحبة لها. لاجئو البيئة ولاحظت دراسة ل"الهيئة الدولية الحكومية لتقويم التغيير في المناخ"صدرت في شباط فبراير 2007، تأثير ارتفاع منسوب البحار والمحيطات على 84 دولة من العالم الثالث تقع أراضيها على سواحل بحرية. وأوضحت أن زيادة مقدارها متر في منسوب مياه المسطحات المائية الكبرى تؤدي الى غمر المياه مساحة تقدر بنحو 194 ألف كيلومتر مربع، ما يتسبب في تحويل قرابة 56 مليون مواطن في تلك الدول إلى لاجئين بفعل البيئة. وكذلك بيّنت أن أكثر الدول تضرراً ستكون في شرق آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويؤكد خبراء المناخ أن على الحكومات دوراً كبيراً في تقديم الدعم للقطاعات الحساسة للتغيرات المناخية مثل الزراعة والسياحة. وكذلك يتوجب عليها إعادة تصميم المناطق الحضرية في السواحل لمواجهة ارتفاع مستويات البحار، إضافة إلى تصميم منشآت دفاعية كالحواجز والسدود، ووضع آليات جديدة لسحب المياه الراكدة، والحدّ من الإفراط في استهلاك مياه الشرب، وتحسين إدارة الموارد المائية وحماية الأراضي المنخفضة ووضع برامج للإخلاء في حال حدوث زوابع أو مد بحري. وفي السياق ذاته، حذّر وزير الدولة المصري لشؤون البيئة ماجد جورج من أثر التغيرات المناخية في مصر، مشيراً الى احتمال غرق جزء من منطقة دلتا النيل مع ما يتبع ذلك من فقدان كبير لمناطق السكن الحضري والمدن في المناطق الساحلية، إضافة الى تهديد حياة السكان فيها. وتوقع أيضاً أن تتعرض 12 إلى 15 في المئة من الأراضي الزراعية الخصبة الموجودة في دلتا للبوار. وكذلك أكّد وزير البيئة أن ارتفاع الحرارة يؤدي إلى زيادة الطلب على مياه الري ومعدل مياه البحر، مع الانخفاض في توافر المياه نظراً الى انخفاض معدلات هطول الأمطار. وتؤدي تلك العناصر إلى ضغوط متزايدة على السكان، واختفاء بعض المحاصيل وتأثر أرصفة الشعاب المرجانية في البحر الأحمر. وفي الإطار عينه، حذّر عالم الجيولوجيا الدكتور رشدي سعيد من خطورة الارتفاع المتوقع لمستوى سطح البحر على السواحل المصرية، بأثر من ارتفاع درجات حرارة الأرض. وأضاف سعيد:"هذه التغيرات لن تؤثر في حركة الملاحة في قناة السويس، ولا في وضعية سطح المياه في ذلك المجرى الملاحي لإن المصريين الذين حفروا القناة وضعوا الأتربة على جانبيها ما يجعلها تستوعب أي زيادة في مستوى المياه المتدفقة فيها". وأكّد سعيد ضرورة الحفاظ على الأرض الزراعية والاستفادة من الظهير الصحراوي لمواجهة التأثيرات المناخية وقال:"النبات يمتص الغازات، خصوصاً ثاني أكسيد الكربون الذي يسبب زيادة في درجات حرارة الأرض، لذا من الضروري أن يكون هناك انضباط في استخدامات الطاقة التقليدية". وأشار إلى أن ارتفاع درجة حرارة الأرض يؤدي إلى زيادة تبخّر المياه منها، ما قد يخفض كمية المياه التي تجرى في نهر النيل. والمعلوم أن مصر شاركت في جهود المجتمع الدولي للتصدي لهذه القضية، ووقّعت على"اتفاقية الإطار عن متغيرات المناخ"في عام 1994، ثم وضعت توقيعها على"ميثاق كيوتو"للحد من تلوث المناخ في عام 1999، وصادق عليه البرلمان في عام 2005. وانبثقت من"ميثاق كيوتو"ما عُرِف باسم"آلية التنمية النظيفة"التي تتضمن التزام الدول الصناعية الكبرى خفض انبعاث غازات التلوث التي تنجم عن استهلاك الوقود الأحفوري، بين عامي 2008 و 2012 بنسبة تصل إلى 2.5 في المئة عن حجم انبعاثاتها عام 1990. ونتج من ذلك آلية عرفت باسم"تجارة الكربون"التي تسمح للدول الصناعية المتقدمة بشراء حُصص الكربون المسموح بها للدول النامية، وضمها الى حسابات انبعاثاتها من غازات التلوّث، وكذلك نقل بعض صناعاتها إلى تلك الدول أيضاً. وفي ذلك السياق، شكّلت مصر مجلساً متخصّصاً بآلية التنمية النظيفة يعمل ضمن وزارة البيئة. وتشارك في هذا المجلس الوزارات والجهات المعنية والجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني. ومن خلال ذلك المجلس، تمت الموافقة على 36 مشروعاً للتنمية النظيفة، بلغ حجم الاستثمارات فيها نحو 1.1 بليون دولار. وتتسم تلك المشاريع بأنها خفيضة انبعاث غازات التلوّث، خصوصاً ثاني أكسيد الكربون. وفي المقابل، تركز هذه المشاريع على الطاقة النظيفة والمتجددة، والتوسّع في استخدام الغاز الطبيعي و"الميثان"وغيرها. تجدر الإشارة الى وجود توقعات بأن يؤدي ارتفاع درجة الحرارة على سطح الأرض من 5-6 درجات خلال هذا القرن وارتفاع مستوى سطح البحر حتى 1.5 متر إلى تعريض الدول النامية لكوارث يصعب تلافيها. وأجمعت السيناريوات المُصمّمة بمعرفة"الهيئة الدولية الحكومية لتقويم التغيير في المناخ"والمؤسسات البحثية المُشابهة على أن النطاق الساحلي في مصر يقع ضمن مناطق الخطر الكبرى التي سينالها النصيب الأكبر من التأثيرات السلبية لظاهرة الاحتباس الحراري. والمعلوم أن النطاق الساحلي في مصر يمتد نحو 3500 كيلومتر في محاذاة البحرين المتوسط والأحمر، ويضم نحو 40 في المئة من عدد سكان مصر، تقطن غالبيتهم العظمى في عدد صغير من المدن الساحلية مثل الإسكندرية وبورسعيد ودمياط وبور رشيد والسويس. تحويل قش الرز إلى علف نجحت"وحدة التكنولوجيا الحيوية لتحسين الأعلاف"في"المركز القومي للبحوث"في تحويل قش الرز إلى مادة علفية غذائية تصل نسبة البروتين فيها إلى 14 في المئة، ما يساهم في حل مشكلة ارتفاع أسعار مواد العلف، إضافة إلى المساهمة في حل المشكلة البيئية المترتبة على تراكم قش الرز وحرقه. وصرح رئيس الوحدة الدكتور محمد فاضل مرعي بأن العلف الجديد يعمل على تحسين جودة اللحوم وخفض نسبة الدهون فيها، إضافة إلى زيادة إدرار الحليب بمعدل يصل إلى أكثر من 16 في المئة عن المعدل التقليدي. وأضاف أن العلف الجديد أُنتج بمعاملة قش الرز بيولوجياً باستخدام الفطر الخميرة مدة تراوح بين 7 و 10 أيام في الجو العادي. ويؤدي العلف المبتكر الى انتاج ما يراوح بين 25 و 35 في المئة من الأعلاف المركزة، ويخفض نحو 40 في المئة من سعر العلف التقليدي ويزيد من ربحية المنتجين بنحو 350 جنيهاً لكل رأس ماشية. وأشار فاضل إلى أن الوحدة توفر بأسعار مخفضة الكميات اللازمة من الفطر والخميرة التي تعمل على تحويل كميات تصل إلى 100 طن يومياً، كما أنها على استعداد لتقديم خبرة فنية للمربين في هذا المجال.