لا يستقيم تقويم الحوادث التي شهدها لبنان في الاسبوع المنصرم من غير إدراجها أي الحوادث في سياق إقليمي يحتسب ما يدور في فلسطينوالعراق. فالحوادث اللبنانيةوالفلسطينيةوالعراقية مترابطة. وثمة لاعبان وحيدان في لعبة توازن القوى في الشرق الأوسط هما إيران وأميركا. ففي العامين الاخيرين، سعت أميركا الى تيسير دخول أطراف إقليمية عربية - سنّية أخرى في هذه اللعبة، وتغيير موازين القوى، والتغلب على إيران. ولكنها لم تنجح في قلب موازين القوى، بل غيرتها تغييراً طفيفاً. وقبل نحو سنة، خلص تقرير أميركي الى أن في وسع قوة إيران الاقليمية، فرض"خوة"على أميركا في منطقة الشرق الأوسط. وعلى هذا، حاول الأميركيون، وهم يدركون أن ولاية الرئيس جورج بوش شارفت على ختامها، إضعاف نفوذ إيران الإقليمي، قبل أن تضطر الى الخروج من المنطقة. فاستدرج مجلس الأمن الدولي إيران في ملفها النووي. وأثار الأميركيون قضية"الهلال الشيعي"في المنطقة لتحريض العرب السنّة على إيران، وحملهم على إنشاء ائتلاف ضد إيران في المنطقة. ولكن إدارة بوش لا ترغب في ضم إسرائيل الى جبهة واحدة ومشتركة، مع العرب من حلفاء واشنطن الذين يعانون من ضعف ذاتي. وبعد فشل مسار"الهلال الشيعي"، انتقلت أميركا الى مرحلة تسريع عملية"قطع اذرع إيران الاقليمية مباشرة". والدليل هو التطورات الاقليمية، في الشهر الماضي، بالعراقوفلسطينولبنان وحتى في سورية. ففي العراق، سعى الأميركيون من طريق إشعال النزاع بين جناحي القوة الشيعية، الى تقويض حكومة نور الدين المالكي، ووضع إيران في مواجهة الحكومة الشيعية التي تربطها بها علاقات ممتازة. ورمت واشنطن من طريق تلطيخ أيدي الشيعة المؤمنين بعضهم بدم بعض إلى قطع الطريق أمام احتمال نشوء ائتلاف شيعي قوي بالعراق يرفع لواء المرجعية الدينية ورجال الدين. ولكن إيران توسطت بين طرفي النزاع الشيعي في العراق فحالت دون إراقة الدماء، وحملت على حوار مباشر، والتفاهم في معزل عن الأميركيين. فمنيت المساعي الأميركية بالفشل. ولذا تدخل الأميركيون مباشرة. وهم يقتلون، ومنذ أسبوعين، الشيعة في مدينة الصدر ببغداد. وفي الملف الفلسطيني، حاولت إسرائيل تيئيس أهالي غزة وحملهم على نبذ"حماس". وكثّف بوش سعيه الى اتفاق سلام بين الكيان الإسرائيلي المصطنع والعرب. ولكن العرب خلصوا الى أن الصهاينة لن يلتزموا أي اتفاق. وفي لبنان، وهو آخر ساحات المواجهة الاميركية - الإيرانية، لم يتحمل الأميركيون كابوس علاقة"المقاومة الإسلامية"الوطيدة بإيران. وبعد هزيمة إسرائيل النكراء في حرب ال33 يوماً، بذلت أميركا والكيان الصهيوني جهوداً كبيرة للحؤول دون تحويل انتصار المقاومة العسكري على إسرائيل الى انتصار سياسي في الساحة الداخلية اللبنانية. وطلبوا من قوى لبنانية داخلية الدعوة الى نزع سلاح المقاومة بعد فشل المعارك العسكرية الاسرائيلية في بلوغ هذا المأرب. وفي العام الماضي، أعلن"حزب الله"أن سلاحه يوجه الى العدو الصهيوني. وآثر الصمت في مواجهة مؤامرات الاحزاب اللبنانية، واكتفى بالاعتراض المدني. وبعد استشهاد الحاج رضوان عماد مغنية، حسِب حلفاء إسرائيل في لبنان أن أوان توجيه ضربات قاسية ل?"حزب الله"آن. فحاولت حكومة السنيورة سلب المقاومة مقومات عملها الأساسية، على غرار شبكة الاتصالات. واتفق التيار المعادي للمقاومة في لبنان سراً مع إسرائيل على جر"حزب الله"الى معارك داخلية مستمرة لإضعافه، وتمهيد الطريق أمام هجوم إسرائيلي جديد على المقاومة في الصيف يوجه إليها ضربة قاضية. ولكن خطوة المقاومة الاستباقية أسقطت هذه المخططات. ولا شك في أن أبرز أخطاء التيار الأميركي في لبنان هي حمله"حزب الله" على ترك ضبط النفس، وسحب السلاح في الداخل. ويعرف التيار الاميركي أن لا أحد في مقدوره مواجهة"حزب الله". ولكنه اختار هذه المواجهة، وهي قمة الغباء. وأدرك"حزب الله"ان العدو يريد ان يفرض عليه حرباً على جبهتين. فسارع الى الرد بذكاء، وأسقط جبهة من هاتين الجبهتين. وإذا وقعت الحرب مع إسرائيل في الصيف، اندلعت على جبهة واحدة. والحق أن"حزب الله"خلط أوراق اللعبة الأميركية والإسرائيلية. فاصطدمت رصاصة"المحافظين الجدد"الاخيرة بحائط صخري. ولم تنقطع أذرع إيران الاقليمية، بل اكتسبت خبرة وحنكة. عن مهدي محمدي،"كيهان"الإيرانية، 11/5/2008