سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الحزب يعمل على نسج علاقات عربية ودولية ل "منع انفراد واشنطن في توجيه دفة الامور" ... ونزع السلاح يؤدي "الى ما لا تحمد عقباه" . "تحول" في نظرة واشنطن الى "حزب الله" : الحلقة الثالثة في استراتيجية "مغازلة الشيعة" في المنطقة ؟
تتصدر عناوين"التغيير في النهج"و"الاستفادة من تجارب الماضي"القراءات السياسية الأخيرة لمواقف صدرت عن الادارة الأميركية رأى فيها محللون ومراقبون"تحولاً"في النظرة الى"حزب الله", خصوصاًً ما جاء على لسان الرئيس جورج بوش في آذار مارس الماضي, وفهم منه اعترافا بدور الحزب السياسي في المعادلة اللبنانية في مرحلة ما بعد الانسحاب السوري من لبنان. واذ تجمع التفسيرات ومواقف الخبراء والمقربين من البيت الأبيض على ضرورة"نزع سلاح الحزب"و"احتوائه سياسيا"، الا انها تختلف في وسائل الوصول الى هذا الهدف. وشكلت دعوة بوش ل"حزب الله" في 15 آذار الماضي, عقب لقائه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في البيت الأبيض, الى المشاركة الفعلية في العملية السياسية في لبنان و"القاء سلاحه والتوقف عن تهديد السلام"المفترق الأساس في المصطلحات الأميركية المستعملة تجاه الحزب، الذي تدرجه الخارجية الأميركية على لائحة المنظمات الارهابية منذ عام 1997، وتتهمه بعملية تفجير مقر المارينز في بيروت في 1982 والتي ذهب ضحيتها 241 جندياً أميركياً. كما أدرج على لائحة"الارهاب العالمي"الصادرة عن وزارة الخزانة في 23 أيلول سبتمبر 2001، وفرضت ضغوط واجراءات قانونية على المصارف الأميركية التي تتعامل مع الحزب أو منظمات مرتبطة به. "حزب الله"الذي ينفي تماماً نسبة أي عمل ارهابي اليه, ويعتبر ذلك"من قبيل الدعاية السياسية التي تستهدف ممارسة ضغوط عليه لاحتوائه وادراجه في منظومة السيطرة الاميركية", يؤكد على لسان مسؤول العلاقات الخارجية فيه نواف الموسوي ان"جهات دولية أبلغتنا ان ثمة تغييراً في الموقف الاميركي آخذاً في التطور، ولكن لا ندري الى أي حد يمكن الحديث عن تغيير فعلي". اما في ما يتعلق بسلاح المقاومة"فنرى من زاوية محايدة, نظرياً, ان من يستهدف الوصول الى تسوية سياسية للصراع العربي - الاسرائيلي ينبغي ان يكون ملتفتاً الى ان هذه التسوية لا تحصل الا في ظل توازن ما عربي - اسرائيلي، وفي ظل التفوق الاستراتيجي الاسرائيلي, تمكنت المقاومة من تحقيق آلية توازن نسبي. لذلك فان دعوة العرب الى التوقف عن المقاومة تعني تجريدهم من القدرات الذاتية الدفاعية, وبالتالي انهاء الاساس الموضوعي لاقامة تسوية وفرض الاستسلام"، ويشير الى"ان المثال الالماني بعد الحرب العالمية الاولى يؤكد انه اذا امكن فرض الاستسلام على جيل ما فإنه لا يمكن فرضه على الاجيال التي تليه بل سيدفعها الى خيارات اشد تطرفاً". ومن هنا, يرى الموسوي, ان"لا معنى للدعوة الى توقف المقاومة او الى نزع سلاحها الا فرض الاستسلام على العرب, ومن يفكر بنظرة مستقبلية سيفترض ان مثل هذه الدعوة ستؤدي الى ما لا تحمد عقباه في المستقبل", ويعتبر ان السياسة الاميركية في المنطقة"سياسة تخريبية, وهي تصف بذلك بنفسها عندما تتحدث عما يسمى الفوضى البناءة". ولكن ألا يشكل التفاهم السعودي - الفرنسي - الأميركي الذي أسفر أخيراً عن انفراجات سياسية في لبنان لجهة تشكيل الحكومة وتحديد موعد للانتخابات تحولاً فعلياً في الموقف الأميركي ليس تجاه"حزب الله"فحسب, وانما بالنسبة الى لبنان أيضاً؟ يجيب مسؤول العلاقات الخارجية في"حزب الله"بأن الانفراجات المذكورة"تحققت من خلال تدخل اصدقاء واشقاء للبنان ادى الى تفاهم أسفر عن تشكيل الحكومة. ونحن اذ ندرك الحرص السعودي والفرنسي والسوري والايراني على استقرار لبنان, الا اننا فوجئنا بمقابلة مفتعلة لم تأت في سياق طبيعي للرئيس جورج بوش, مع احدى القنوات التلفزيونية اللبنانية, أراد القول من خلالها ان ما يجري حالياً من تسويات واصطفافات ليس ما تريده الادارة الاميركية وانها ماضية في مشروعها الذي يدفع لبنان الى الفوضى والى اللااستقرار . تصور أميركي جديد خبراء أميركيون ومقربون من الادارة رأوا في التغير الأميركي استمرارية للاستراتيجية الاميركية في العراق, والقائمة على تصور جديد مفاده"مغازلة الشيعة". ويعتبر الباحث السياسي أغسطس نورتون, وهو صاحب مؤلفات عدة عن"حزب الله"والحركات الشيعية، أن"توجه الادارة الى التعامل مع الأقلية الشيعية في العالم الاسلامي"انطلاقا من"علاقتها برئيس الحكومة العراقية ابراهيم الجعفري رئيس حزب الدعوة الاسلامي في العراق الذي ارتبط اسمه بتفجير السفارة الأميركية في الكويت عام 1983"، مرده ان واشنطن"بدأت تعي التغييرات السكانية في المنطقة وأن الشيعة يشكلون نصف المسلمين في الدول الممتدة من لبنان الى باكستان". ويصنف نورتون الذي أمضى أواخر التسعينات في لبنان، الجبهة اللبنانية بأنها"الثالثة ضمن استراتيجية التقرب من الشيعة بعد العراقوايران، وتحديدا في مرحلة ما بعد الانتخابات العراقية، ومحاولات التواصل مع طهران من خلال الموقف الأوروبي الأميركي الأخير باعطاء حوافز تشجيعية لايران بينها الدخول في منظمة التجارة العالمية، مقابل تخليها عن برنامجها النووي". ويسعى محبذو هذه الاستراتيجية الى تفادي مواجهة عسكرية مع طهران، وتبرز قوتهم في مكتب الأمن القومي في البيت الأبيض وبعض مراكز الخارجية. وكان كل من مستشار الأمن القومي ستيفن هادلي ومعه نائب قسم العلاقات السياسية في الخارجية الأميركية ويليام برنز دعوا الى استراتجية أكثر انخراطا وليونة في التعامل مع ايران قبيل زيارة بوش الأوروبية، وعلى طريقة الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون 1969-1974. وتبدو كما يشير نوتون الخطوة انقلابا سياسيا حقيقيا على مفاهيم تلت أزمة الرهائن في 1979 بعدما احتجز طلاب ايرانيون داهموا السفارة الأميركية في طهران 52 رهينة أميركياً ل444 يوما. الا ان الموسوي يطرح تساؤلات حول"ما اذا كان الاميركيون اصلاً يقرأون لبنان كبلد قائم في ذاته", مرجحاً ان لبنان"لا يشكل اولوية للأميركيين الذين ينظرون اليه نظرة وظيفية, بمعنى كيف يمكن استخدامه لتحقيق المصالح الاسرائيلية وفي مقدمها تفكيك حزب الله". أما التصور الاميركي حيال لبنان"فهو لا ينفصل عن التصور الاميركي حيال المنطقة بأسرها، والذي انتقل من رعاية الاستقرار الستاتيكو الى التغيير الذي يحمل شعار الترويج للديموقرطية وان كنا شهدنا أخيراً مراجعة لعبارة الترويج للديموقراطية لتصبح "ترويج للديموقراطيين وليس فقط للديموقراطية"Promote Democratics not just Democracy. والديموقراطيون المقصودون يصفهم روبرت ساتلوف, أحد منظري المحافظين الجدد, بأنهم الليبراليون الذين يقاسمون الاميركيين قيمهم الاخلاقية, والذين نسميهم عملاء أميركا. اذن, لم يعد المطلوب اميركياً فقط ترويج الديموقراطية وانما ايجاد الظروف الاجتماعية السياسية التي تسمح بوصول هؤلاء الى سدة السلطة السياسية والسلطة الثقافية والسلطة الاجتماعية في المجتمعات العربية. في هذا المعنى يصبح ما يسعى اليه الاميركيون عملية انقلاب شامل في الافكار والعلاقات بين المكونات المجتمعية لكل مجتمع سياسي، لتذهب الامور, بالتالي, في اتجاه الفوضى البناءة Constructive Instability وهذا العنوان الذي استخدمه ساتلوف في عنونة سياسة بوش تجاه سورية ولبنان وتالياً المنطقة العربية. لذلك, يسعى الاميركيون الى احداث انقلاب سياسي يؤدي الى محاصرة المقاومة وعزلها ووضعها بين خيارين: اما نزع السلاح او الحرب الاهلية". ويحدد أغسطس نورتون خيارات عدة أمام الادارة الأميركية لتجنب مواجهة مع"حزب الله"، بينها الاعتراف بقوة الحزب على الصعيد الداخلي، وابقاء مسألة نزع السلاح ضمن هذا الاطار، اضافة الى"اغراءات انتخابية"بتوسيع التمثيل النيابي للحزب في الانتخابات المقبلة. لكنه يستبعد قبول"حزب الله"بتسليم سلاحه قبل الوصول الى"سلام شامل في المنطقة". ورقة ضغط ويبدو من جهة أخرى سيناريو أكثر تشدداً في طريقة التعامل الأميركي مع القضية وأبعادها الاقليمية، اذ يشير الباحث في معهد"هاريتيج"المقرب من الادارة الجمهورية جايمس فيليبس، الى أن هناك امكانية لتحويل حزب الله"الى ورقة اضافية للضغط على دمشقوطهران"في حال رفض الحزب تسليم سلاحه للدولة اللبنانية. ويعتبر فيليبس أن الانسحاب السوري"الاستخباراتي والعسكري"من لبنان، يعني"تحمل الدولة اللبنانية المسؤولية الكاملة في مسألة ضمان الاستقرار الأمني والتأسيس لمصالحة وطنية واجماع شامل على حصر السلاح بيد الجيش اللبناني". ويضيف أنه"في حال نجاح المعارضة اللبنانية في الانتخابات المقبلة والتأسيس لهذا الاجماع، ستنتقل كرة الضغط الى ملعب الحزب". ويلفت فيليبس الى تواصل الخطوط الاستراتيجية الأميركية بين المحور الايراني - الأميركي من جهة وسياسة واشنطن مع تل أبيب ودمشق من جهة أخرى. ويؤكد أن قرار مجلس الأمن الرقم 1559"مفصل رئيس ووسيلة فعالة في يد ادارة بوش."اذ أن رفض حزب الله لنزع السلاح، يعني"انتهاكاً لقرار مجلس الأمن"، وبالتالي امكان"تدويل المسألة وارغام الفرنسيين الذين وافقوا على القرار بمتابعة الضغط."وهو يتوقع أن يتعدى الضغط الساحة اللبنانية الى الساحتين السورية والايرانية, وقد تمهد خطوة كهذه لقرارات فرنسية - أميركية تصعيدية تجاه ايران. وتتردد هذه الاستراتجية في مكتب نائب الرئيس ديك تشيني ووزارة الدفاع البنتاغون لتشددهما من الموقف الايراني. الا أن سياسة الرئيس بوش في ادارة الملف اللبناني والضغوط على دمشق منذ اغتيال رئيس مجلس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري لا تلقى ارتياحاً من بعض المسؤولين السابقين في الادارة ورموز تيار"الواقعية السياسية"و"القوة الناعمة"في الحزب الديموقراطي. اذ يحذر المسؤول السابق في مكتب الأمن القومي في ولاية بوش الأولى فلينت ليفيريت من تداعيات"الضغوط المتزايدة والمبالغ فيها على سورية على الاستقرار في المنطقة."ويشير ليفيريت الذي صدر كتابه"توريث سورية"أخيراً الى"الخطأ الاستراتيجي"الذي وقعت فيه الادارة بتحييد دمشق عن الملف اللبناني, ما أدى الى جعل الانسحاب من لبنان"مكسباً"ل"حزب الله"على الساحة الداخلية والاقليمية، وبات أمينه العام حسن نصرالله"الرابح الأكبر من سياسة الرئيس بوش الحالية". اذ أن اجبار سورية على الرحيل من لبنان قبل قيامها بنزع سلاح"حزب الله""خطأ كبير لعدم امتلاك أي قوة اقليمية ما يوازي قدرة سورية على القيام بهذا الدور". وشدد ليفيريت على أهمية الدور السوري اقليمياً في"احتواء الحزب والجماعات المتطرفة الفلسطينية المهددة لأمن اسرائيل وفرص السلام في المنطقة"، لافتاً الى أن دمشق ساهمت في اقناع"حركة الجهاد الاسلامي"بارسال مندوب الى القاهرة للمشاركة في محادثات الهدنة. كيف سيتصرف"حزب الله"في غياب الحليف السوري, وهل ارتكبت واشنطن فعلاً خطأ استراتيجياً؟ على الشق الاول من السؤال يذكر الموسوي ب"أننا منذ ان انطلقنا في العمل المقاوم عام 1982 ومررنا بأشكال مختلفة من المراحل السياسية وتمكنا في كل منها من ان نكيف امكاناتنا وفق مقتضيات المرحلة, ولا شك في ان الانسحاب السوري يشكل مرحلة جديدة, الا اننا سنكون قادرين على التكيف معها. فعندما انطلقت المقاومة في لبنان لم تكن القوات السورية موجودة في مناطق بيروت والجبل والجنوب، وبالتالي فان منطلقات المقاومة كانت وما زالت لبنانية تستند على القدرات الذاتية مع الاتكال على دعم لوجستي ودعم سياسي سوري وامتداد عربي واسلامي، ولا نعتقد ان هناك شيئاً تغير فعلياً في هذه المعادلة". اما في ما يتعلق بالشق الثاني من السؤال, فيعرب المسؤول في"حزب الله"عن اقتناع الحزب بأن الاميركيين"ما كانوا ليدفعوا في اتجاه تبني مجلس الأمن القرار 1559 لاخراج القوات السورية من لبنان الا بعدما خبروا بوضوح التزام القيادة السورية بثوابتها القومية وبمصالحها الوطنية ورفضها الخضوع للضغوط الاميركية المتعلقة بنزع سلاح المقاومة او باحتوائها أو ضربها". في غياب الرافعة السورية للمقاومة, ألا تقتضي المرحلة الجديدة تحالفات جديدة؟ يجيب الموسوي:"بالتأكيد تقتضي هذه المرحلة نوعية من التحالفات الداخلية السياسية تختلف عما كانت عليه من قبل لايجاد رافعة لا تسمح باختراق اميركي للنسيج اللبناني, كما تتطلب نسج علاقات عربية ودولية تمنع الانفراد الاميركي في توجيه دفة الامور في لبنان والمنطقة. مشينا في هذا التوجه ونحقق تقدماً".