في المغرب العديد من معاهد تعليم الموسيقى، الوطنية منها والبلدية، لكن لا توجد في البلاد سوى أوركسترا سيمفونية واحدة. وعلى رغم وجود ثلاث فرق أوركسترا عسكرية، وازدياد الاهتمام بالموسيقى الكلاسيكية، وإقبال أعداد كبيرة من الطلبة على تعلّمها، وفتح معاهد جديدة أمام الراغبين، وبروز أسماء كبيرة في عالم العزف الكلاسيكي على المستوى الوطني والدولي، لم تشكل فرق أوركسترا تغني المشهد الموسيقي الكلاسيكي في المغرب. فرقة الأوركسترا الفيلارمونية المغربية نفسها حديثة النشأة، فقد تشكلت منذ 11 عاماً فقط، بمبادرة من مجموعة من الموسيقيين المغاربة المعروفين الذين أرادوا أن يستعيدوا أمجاد أوركسترا الستينات المنقرضة، ويمكنوا المغاربة من تكوين رفيع في الموسيقى الكلاسيكية، لا سيما بالنسبة الى المواهب الشابة. ثمانون عازفاً مغربياً من خريجي المعاهد الوطنية والأوروبية يشكلون اليوم فرقة أوركسترا فيلارمونيك المغرب. يعزفون على مختلف الآلات الموسيقية، الإيقاعية والوترية وآلات النفخ الهوائية وآلات المفاتيح. وقدمت الفرقة حتى الآن ما يربو على 150 حفلة موسيقية فيها أشهر أعمال الموسيقى الكلاسيكية، من سيمفونيات بيتهوفن، الثالثة والخامسة والسابعة... إلى أكبر أعمال الأوبرا، مثل أوبرا ترابياتا وكارمن وريغوليتو... وعلى رغم عمرها القصير، استطاعت أوركسترا فيلارمونيك المغرب أن تخطو خارج الحدود، ليس لضمها عازفين معروفين في الخارج فقط، بل أيضاً بتنظيمها مسابقة دولية للموسيقى عام 2001، سرعان ما وطدت حضورها ضمن المسابقات العالمية المعروفة، وهي تجتذب كل عام عازفين شباباً موهوبين من مختلف دول العالم، وتشق الطريق أمام مواهب مغربية صاعدة. وتفخر الفرقة باحتضانها واستقطابها مواهب أوروبية شابة ثبتت جدارتها في استحقاقات دولية رفيعة، كما تدل على صدقية مسابقتها. فعازف البيانو البولندي رافال بيلشاسز، صاحب الرتبة الأولى في المسابقة الدولية المغربية في عام 2004، حاز الجائزة الأولى في وارسو عام 2005 خلال آخر دورة لمسابقة فريديرك شوبان الدولية المعروفة بصعوبتها. كما حاز العازف الياباني سوهي سيكيموتو المتوج الأول في المغرب عام 2005، الرتبة الرابعة في مسابقة شوبان، إضافة الى العازف الروسي ألكسندر كوبرين الفائز بالميدالية الذهبية في مسابقة فان كليبورن للعزف على البيانو في الولاياتالمتحدة عام 2005. تعتمد جميع المعاهد الموجودة في مختلف مدن المغرب الموسيقى الكلاسيكية أساساً للدراسة الأكاديمية فيها، ولكن لا يوجد معهد واحد فيه أوركسترا سيمفونية خاصة به. وأدى ذلك إلى الفراغ الراهن الذي لا تملؤه غير الأسماء المغربية اللامعة على الساحة الوطنية والدولية التي تعزف السيمفونيات في شكل فردي، وتشارك في الأوركسترات العالمية، مثل عازف الساكسفون الشريف الإدريسي وعازف البيانو أحمد الركراكي، وعازف الأورغ مصطفى الركراكي... يفترض أن تشتمل المعاهد على"أوركسترا الغرفة"تكتفي بأربعين عازفاً أو أقل، أو أن تكون لديها فرقة أوركسترا أصغر، لا تحتاج أدوات موسيقية كثيرة، على غرار ما كان سائداً في القرنين السادس عشر والسابع عشر، في عهد الباروك، وقبل أن تتطور الأوركسترا، عددياً وأدواتياً، مع موتسارت ومع العهد الرومانسي. ويأخذ أحد الأساتذة في المعهد الوطني للموسيقى في الرباط على المعاهد الموسيقية المغربية عدم اهتمامها بتأسيس فرق أوركسترا الطَلبة لتحقيق الهدف من تدريس الموسيقى الكلاسيكية، لجهة تكوين موسيقيين يعزفون جماعياً، ومن ثم تمكينهم من العزف في أوركسترا وطنية أو دولية. وذلك لغياب التخصص بها، والتركيز على أدوات موسيقية معينة، ومسايرة رغبات الطلبة وميولهم وإمكاناتهم في تعلم أنواع موسيقية بعينها تتماشى وتوجهات الموسيقى في السوق. الجدير بالذكر أن الموسيقى الكلاسيكية في المغرب تدين للفنان عبدالوهاب أكومي بالكثير، إذ كان أول من أنشأ أوركسترا سيمفونية داخل المعهد الوطني للموسيقى، وأول من ناضل لإرسال طلاب مغاربة لدراسة الموسيقى في أوروبا، خصوصاً في فرنسا وألمانيا وإيطاليا. والظاهر أن المعاهد تحتاج اليوم لاستنساخ روح هذا الفنان وأمثاله ممن فكروا ويفكرون في أصالة الموسيقى وترسيخها داخل المعاهد حتى لا تضيع المواهب والطاقات بين نجومية مشتتة خارج الوطن وأفول بطيء داخله.