تسعى «أوركسترا عمّان» الى أن تكون علامة ثقافية أردنية رفيعة، قادرة على الاتصال بأبرز التظاهرات الثقافية العالمية. وإذا كان هذا العام، هو عام دولي للاحتفال بالمئوية الثانية للمؤلف البولندي فريدريك شوبان، فإن أوركسترا عمان وضعت لمستها قبل ايام على العام الدولي لشوبان، حين استضافت في فقرتها الاحتفالية في المؤلف البولندي فردريك شوبان (1810 – 1849) مواطنه عازف البيانو المنفرد فالتشيك في أداء واحد من أعمال شوبان المهمة «كونشرتو البيانو الرقم 2». بدأت الأوركسترا التي يقودها المايسترو محمد عثمان صديق حفلتها مع «افتتاحية الملك أيس» للمؤلف الفرنسي ادوارد لالو (1823- 1892) الذي هو جزء من عمل أوبرالي بارز كتبه المؤلف والعازف الفرنسي، وظل فيه يواجه صعوبات جمة حتى تم قبوله من مؤلفين منافسين كبار عاصروه، وحين قدمت تلك الاوبرا كان لالو بلغ الخامسة والستين لينفتح على أثرها الكثير من أبواب المجد له اعترافاً ببراعته مؤلفاً من طراز خاص. ومع عزف هذا العمل بدت الأوركسترا التي تأسست عام 2007 اعتماداً على «أوركسترا المعهد الوطني للموسيقى» التي واصلت عروضها وخبراتها الفنية لنحو 14 عاماً قبل ان تصبح اسماً مرتبطاً بعمّان، بدت أرشق وأعمق وأنضج مما كانته في سنواتها الاولى، وهي بحسن إدارة المايسترو صدّيق، أصبحت قادرة على التعاطي وفق أسس الأداء المحترف مع أعمال تتميز بعناصر تركيبية عميقة، كالتي جاء عليها عمل الفرنسي لالو الأقرب إلى التأمل بالذات الإنسانية، وصولاً إلى الجانب الأسطوري الذي عني المؤلف بتصويره. وجاءت فقرة الاحتفاء الخاصة بمئوية المؤلف شوبان الثانية، لتعرف جمهور عمّان المحب للموسيقى الرفيعة إلى أفضل عازف للبيانو من الممكن أن يؤدي عمل شوبان «كونشرتو البيانو الرقم 2»، فكان مواطنه فالتشيك، معبراً عن تكنيك عال وروحية طافحة لطالما ميزت أعمال شوبان للبيانو حيث مسحة من الرومانسية، والرقة أو الكآبة أحياناً، وقوة نغمية كانت السبب في تجديد أسلوب العزف بالبيانو، سواءً من حيث الإيقاع أو من حيث الناحية الجمالية. فضلاً عن براعة العازف الضيف كانت الأوركسترا بعامة على مستوى الاحتفاء الراقي بشوبان، مثلما كان المايسترو صديق قادراً على ضبط تقديم العمل بتنسيق مميز بين الآلة المنفردة: البيانو وعموم آلات الأوركسترا، وبما جعل الاحتفاء الأردني بشوبان مميزاً وحافلاً برفعة يستحقها. وإلى جانب الاحتفال بشوبان، داعبت الأوركسترا النغم اللاتيني المعاصر المكتوب للأوركسترا عبر عزف عملين تدفقا موسيقى مشرقة في القاعة الرئيسة في مركز الحسين الثقافي التي احتشدت بجمهور نوعي، فجاء عمل المؤلف الموسيقي المكسيكي المعاصر ارتورو ماكيز (المولود عام 1950) الذي يحمل عنوان «رقصة 2» وفيه يمكن التعرف إلى نبض موسيقي لاتيني متدفق، حاول المؤلف ماركيز تقديمه وفق شكل الاوركسترا السيمفوني. في العمل الذي كتبه المؤلف الحائز عدداً كبيراً من الجوائز والأوسمة البارزة منها وسام قدمه إليه الرئيس المكسيكي فيليبي كالديرون العام الماضي، أمكن التعرف إلى روحية نغمية آسرة فيها تعبير عن البيئة الثقافية والاجتماعية لمنطقة البحر الكاريبي وعموم أميركا اللاتينية، ولكن هذه المرة ليس وفق الشكل التقليدي الموروث وإنما وفق شكل يبدو مكتملاً في عناصره النغمية الرفيعة: أي أن يكون عملاً مكتوباً للاوركسترا السيمفوني، والذي يعتبر أحد أكثر الأعمال الموسيقية المكسيكية الكلاسيكية المعاصرة شعبية وأهمية وأداء من قبل الأوركسترات في العالم. وكان أداء أوركسترا عمان السيمفوني لهذا العمل بما لا يقل عن أداء أوركسترات ضخمة وبتجربة تفوق نظيرتها الأردنية، التي بكثير من الحب والتعاون تمكنت من أن تضع لمستها الحيوية الخاصة على عمل يتضمن في الأصل روحية عالية وتنوعاً ايقاعياً مدهشاً.