حضت مؤسسات مالية إقليمية دول الخليج على ان تتعامل "بشفافية" في حال قررت فك ربط عملاتها بالدولار،"لتفادي أي ضغوط محتملة تنجم عن التكهنات"، جراء المضاربة على عملات المنطقة التي فقدت اكثر من 37 في المئة من قيمتها منذ عام 2002، بفعل ارتباطها بالدولار الضعيف. وتدرس دول المنطقة في إطار مجلس التعاون الخليجي، خلف الكواليس وبعيداً من وسائل الإعلام، إمكان فك ارتباط عملاتها بالدولار. لكن يستبعد خبراء قيامها بهذه الخطوة، على خلفية توقعات بأن المرحلة الأسوأ من تراجع الاقتصاد العالمي وتدهور قيمة الدولار انتهت، وأنه سيبدأ بالتحسن في النصف الثاني من السنة. وتخشى دول الخليج من ان تتحول خسائر صناديقها السيادية في الأسواق العالمية بسبب تراجع الاقتصاد العالمي، من"دفترية"إلى"حقيقية"في حال لجأت إلى فك ارتباط عملاتها بالدولار، على رغم تأثير ضعف العملة الأميركية في معدلات التضخم التي وصلت إلى مستويات قياسية، وفي السيولة ومعدلات الفائدة في المنطقة. وقدرت تقارير عالمية ان الاستثمارات الخليجية في الأسواق العالمية خسرت نحو 400 بليون دولار من قيمتها"دفترياً"حتى الآن نتيجة تراجع الاقتصاد العالمي بعد مشكلة الرهن العقاري وشح السيولة. ولفت تقرير أصدرته مؤسسة"الأهلي كابيتال"السعودية أمس، إلى ان عملية إعادة تقويم كبرى قد تكون لها"عواقب عكسية على اقتصادات المنطقة"، على اعتبار أنها"ستضعف أرصدة الاعتمادات الحكومية وفوائض الحساب الجاري، إضافة إلى الخسارة التي تلحق بالأصول المقومة بالدولار والتي تم شراؤها بالإيرادات النفطية. وأشارت مؤسسة"الأهلي كابيتال"إلى ان العملات الخليجية تقوّم بأقل من قيمتها الحقيقية بمعدل 37 في المئة منذ عام 2002، لكنها نصحت البنوك المركزية الخليجية بعدم إجراء"تعويم حر للعملات في هذا الوقت الذي تفتقر فيه المنطقة إلى سوق متطورة لسندات الدين تساعد في إيصال إشارات أسعار الفائدة، وهو شرط مهم لعمل السياسة النقدية بصورة فاعلة في بيئة ذات أسعار صرف معومة". ورأت المؤسسة التابعة لپ"البنك الأهلي التجاري السعودي"، ان السياسة الأمثل هي الانتقال إلى ربط العملة بسلة عملات مع إعادة تقويم بسيطة لتعويض الخسارة الناجمة عن الانخفاض الحاد في قيمة العملات المحلية. وأكد رئيس قسم أبحاث السوق في"الأهلي كابيتال"برايان دوغير، ان"أي خطوة تتخذها دول المنطقة تجاه التوقف عن ربط العملة بالدولار"يجب ان تتم بطريقة شفافة مع الإفصاح عن مكوناتها تفادياً لأي ضغوط محتملة تنجم عن التكهنات". وأوضح التقرير أن البنوك المركزية الخليجية تواجه مهمة"صعبة لتطبيق سياسة نقدية مستقلة في بيئة ذات سعر صرف ثابت، تسمح بتدفق رؤوس الأموال بحرية"، على اعتبار ان"موضوع ربط العملات بالدولار القائم منذ عقود، يواجه مطالبات متزايدة بإعادة النظر فيه في ظل هبوط أسعار الفائدة وتراجع سعره أمام العملات العالمية الرئيسة، في وقت تشهد فيه المنطقة ازدهاراً اقتصادياً، نتيجة الارتفاع القياسي لأسعار النفط، ما ساهم في تدفق السيولة باتجاه المنطقة وزيادة التضخم والتحديات أمام الجهات الرسمية المنظمة للتعامل مع السياسة وإدارتها بمستوى عال من الفاعلية". وأشار دوغير إلى ان الريال السعودي والدرهم الإماراتي والريال القطري انخفضت بنسبة 40 في المئة و37 في المئة و47 في المئة على التوالي منذ عام 2002، في حين تراجع سعر الدولار خلال هذه الفترة بنسبة 78 في المئة في مقابل اليورو، بينما انخفضت قيمة الدينار الكويتي بنسبة 23 في المئة فقط، بسبب فك الكويت ربط عملتها بالدولار. وأكد التقرير ان إعادة تقويم العملات الخليجية في هذه المرحلة لن تكون"ذات فاعلية تذكر، في كبح جماح التضخم على المدى القصير، وإن كانت تساعد في تحقيق مرونة أكبر للعملات، وهو شرط مهم لإدارة السياسة النقدية. والأهم من ذلك ان الوضع الراهن يشكل فرصة سانحة لمزيد من التغيير الجذري الهيكلي. فإذا ما شهد العالم ركوداً اقتصادياً وانحسرت أسعار النفط، فإن ذلك سيؤدي إلى تقلص فوائض دول مجلس التعاون الخليجي. وسيصبح الأمر أكثر صعوبة للاستمرار في زيادة الأجور والإعانات المالية التي ساهمت في كبح التضخم، وما يجعل السياسة الحالية المتعلقة بمرونة العملة وسيلة حساسة للغاية". ولفت إلى ان أي إعادة تقويم للعملات ستعود بالفائدة على المستثمرين والمشاريع الصناعية الرأسمالية الكبرى والشركات التي لديها التزامات أو ديون خارجية، كذلك على المستوردين والجهات الرسمية في دول مجلس التعاون الخليجي. وفي المقابل، ستتضرر البنوك المركزية والمصدرون والمستثمرون والصناديق الاستثمارية الحكومية السيادية والمؤسسات المالية والشركات التي لديها أصول مقومة بالدولار واستثمارات وشركات فرعية".