لم تصدق سعاد محمد نفسها حين رأت ابنتها هاجر 6 سنوات، تمسك بأخيها الصغير 4 سنوات، مثلما يحصل في الأفلام والمسلسلات، وتطرحه أرضاً بعنف، وفي الوقت نفسه تسحب إحدى يديه نحو الخلف، وتدخله الغرفة. لم تعرف الأم ماذا تفعل، فقد بقيت برهة مذهولة مربكة، واقفة في مكانها، ثم تمالكت نفسها، وصرخت في وجه الصغيرة هاجر كي تترك أخاها. وبعد أن هدأت، سألت ابنتها عن سبب فعلتها، لتفاجأ بإجابة صدمتها، مثلما أثّر فيها المشهد الذي رأته، إذ قالت:"يرفض اللعب معي، وأنا أريد أن ألعب... هكذا يفعلون في الأفلام". ثم همّت هاجر بدخول غرفتها، وكأن شيئاً لم يكن، عندها صرخت سعاد صرخة أخرى، جمّدت الصغيرة في مكانها، وراح الصغيران يبكيان معاً. كلاهما تعرّض للعنف... المباشر، هذه المرة. قصة هاجر تتكرر يومياً في المنازل، إذ أصبح التلفزيون"المعلّم"الأول، والسبب الرئيس في حوادث كثيرة، يكون أبطالها أطفال، يقلّدون أبطال مسلسلاتهم المفضّلة، فبراءتهم تحول دون إدراكهم أن ما يشاهدونه عبارة عن خدع لا تمت للحقيقة بصلة، مع أن عدوى العنف التي ينقلها التلفزيون، لا تزال مثار جدال في دول العالم. وفي بعض البلدان، ثمة أسبوع لمقاطعة التلفزيون، تنصرف أسر، خلاله، إلى نشاطات مختلفة. قصة أخرى ترويها سلوى سعود، التي فوجئت بإقدام ابنها الصغير أحمد على إشعال النار في دمية أخته. وترد الأم السبب إلى مسلسل خليجي، يُعرض على إحدى القنوات، ومن ضمن مشاهده المتكررة، رجل ينتقم من امرأة، فيحرق قدميها. وتقول سلوى:"لا أسمح لأبنائي بمشاهدة هذه الأنواع من المسلسلات والأفلام، ولكن العمل داخل المنزل وخارجه يجعل الرقابة أمراً عسيراً وشبه مستحيل. وقد لاحظت أن أبنائي يتابعون المسلسل بشغف، على رغم مشاهد العنف التي يحتويها. وإذا غيّرتُ المحطة، يصيحون في وجهي، ويبدأون في البكاء والصراخ". وتتحدث الأم بمرارة:"أحمد فتى هادئ، لا يهوى العنف. ولكن المسلسل أثر فيه كثيراً. وعندما أحرق دمية أخته، حاولتُ تدارك الوضع من البداية، وسألته عن السبب، فرد أن الممثل فلان، يفعل ذلك". وتذكر أنه استغرب استياءها وقلقها بسبب إحراق دمية، لا إنساناً حقيقياً. وأما الوالدة فاضطرّت إلى تناول المسألة من زاوية الحريق وخطره على المنزل وأفراد الأسرة كلهم. وترى سلوى أن الحل يتمثل في وضع تلفزيون خاص في غرفة الأطفال، تُحدّد فيه قنوات معينة، علماً أن القنوات التي تراعي عقلية الأطفال ومستوى تفكيرهم وتحميهم قليلة جداً. وهكذا فعلت، فقد حددت لهم قنوات معيّنة لا يشاهدون غيرها. ومنعتهم من المشاهدة عبر التلفزيون في غرفة الجلوس. وتتساءل سلوى عن دور الرقابة وغيابها عن هذه الأنواع من البرامج. فهي تعتقد أنها تحاكي الواقع إلى درجة أنها تحض الأطفال على تقليد المواقف والأفعال. وهو أمر"يثقل كاهل الآباء والأمهات، في شأن الرقابة على الأبناء. فالطفل متلق سريع، ويطبق ما يراه"، كما تقول. انقسام حول المسألة ويحذر الاختصاصي النفسي، ناصر العود، من رؤية الأطفال مشاهد العنف، قائلاً:"أي طفل بين الثالثة والسابعة من عمره يحاول تطبيق ما يراه"، مشيراً إلى أن على رغم انقسام المتخصصين إلى"معسكرين"، في قضية تأثير مشاهد العنف المصوّرة على الأطفال، يشعر بأن هناك إجماعاً على ضرورة منع الصغار حتى سن السابعة من مشاهدتها. ويذكر أن بعض المربين والأولياء يرفض أن يرى الطفل هذه المشاهد، وبعضهم الآخر يؤيد ذلك، ولكن بحضور الوالدين وتفسير ما يدور في الشاشة"، كما يقول. وتجربة متابعة الوالدين، راح يطبقها والد الطفل سلمان، عندما قال له ابنه"أريد أن أتحول". وفهم منه انه يريد أن يتحول مثلما يحدث في أفلام الكرتون. جاراه الوالد الذي أخذ صغيره إلى محل ألعاب، واشترى له زي الشخصية التي يريد التحول إليها. ولما أيقن سلمان أنه لم"يتحول"بطلاً قوياً، شرح له والده أن الأمر يحصل من خلال التمارين الرياضية، والطعام الصحي، وأن الشخصية في الكرتون أصبحت قوية بعد التمارين. حتى أنه سجّله في دورات للدفاع عن النفس، ونجح في إبعاده عن التلفزيون، ولو لمدة جلسة التمارين. ويرى المستشار السلوكي، منصور القطري، أن المشكلة في العالم العربي تتمثل في غياب إنتاج مخصص للمنطقة. ذلك أن معظم برامج الأطفال مستوردة أو مترجمة أو مدبلجة،"ولا تنطلق من فهم حقيقي لطبيعة مجتمعاتنا، فتطرح قيماً هادفة ومقرّبة، لمعالجة قضايانا الاجتماعية والسلوكية". وينتقد القطري تقاعس القيّمين على الإعلام في العالم العربي، وپ"قلّة اهتمامهم بإنتاج أعمال مصوّرة تلائم مجتمعنا العربي". ويرى حاجة ماسّة إلى"بذل جهود كبيرة"في هذا المجال. ويضرب مثالاً على ذلك، الاهتمام بالطفل في الولاياتالمتحدة،"فهناك أكثر من أربعة آلاف مجلة موجهة للطفل، فيما لا تجد عُشر هذا العدد في العالم العربي".