اعتادت عيون العراقيين على رؤية مشاهد العنف على قنوات التلفزة المحلية والفضائية العربية، من دون ان يرف لها جفن، وذلك بفعل نتائج التدهور الأمني المتواصل الذي اصبح مادة يومية لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، سيما وان الحدث العراقي اصبح"سيد الشاشات"منذ أربع سنوات، ولم يغب عنها حتى في أثناء القصف الإسرائيلي على لبنان وما خلّف من مشاهد دمار مروع. ولا يمكن ان يمر يوم"الريمونت كونترول"العراقي من دون متابعة الأخبار حتى وإن أصر بعض أفراد العائلة على متابعة مسلسل عربي او مباراة كرة قدم او أفلام الرسوم المتحركة. ولم يعد حتى الطفل الصغير في العراق يخشى الأفلام التي تصور ذبح جماعة مسلحة لأحد الرهائن، او صور قتلى الاغتيالات أو جرحى الانفجارات. في الماضي كانت العائلة العراقية قبل الحرب تمنع أطفالها من مشاهدة أفلام الرعب"اما اليوم فكل شيئ مباح للفرجة لأن مشاهد الدم أضحت من اكثر ما نراه في الواقع"، هذا ما عللته ام معمر وهي ام لطفلين 7 وپ10 سنوات قالت لپ"الحياة"ان ابنها يسخر منها اذا ما حولت القناة الى أخرى في"حال ظهر مشهد مؤثر من مشاهد القتل والتفجيرات". الا ان رئاسة الوزراء العراقية وفي قرار أخير لها منعت قنوات التلفزة المحلية من عرض مشاهد العنف الدموي للأحداث التي تشهدها البلاد بأمر من رئيس الوزراء نوري المالكي، مشددة على"أن أي قناة تخالف هذا الأمر ستتعرض للمساءلة القانونية". ودعت وزارة الداخلية الإعلاميين والصحافيين إلى عدم استخدام لغة التحريض والطائفية التي قد تزيد من أعمال العنف، في وقت لقي 3500 عراقي مصرعهم الشهر الماضي وحده بسبب التدهور الأمني في البلد. ويلفت مجيد اكرم موظف ورب اسرة الى ان هذا القرار جيد ومنطقي، ولكن - يتساءل - كيف يمكن السيطرة على الفضائيات العربية والغربية والانترنت؟ مضيفاً:"ومن يضمن ان ما قد لا نراه من على شاشة التلفزيون سنشاهده على الأرض؟". لافتاً الى"ان أولادنا باتوا لا يخافون رؤية منظر جريح ينزف أو طفل مقطوع اليد أو الساق، أو امرأة تصرخ من هول المصاب، أو جثة متفسخة وأخرى بلا رأس، وهم اصبحوا يشاركوننا في دفن الموتى وحضور مجالس العزاء". وتقول منى سعد جامعية:"كان بدني يقشعر اذا شاهدت فيلماً من أفلام الرعب، لكن رؤية الأفلام الحقيقية شأن آخر، فيجب معرفة الأخبار بتفاصيلها وبالصوت والصورة". وتبدي منى استغرابها وهي تتساءل:"اين كان هؤلاء القتلة الذين نشروا اليوم مشاهد العنف والدم؟". يذكر ان العراقيين قبل الحرب الأخيرة لم يكونوا يتمتعون بحرية المشاهدة وخدمة الفضائيات حيث وضع النظام السابق خطوطاً حمراً لتجارة الصحون اللاقطة وأجهزة الاستقبال الفضائي. في ذلك الحين كانوا فقط يشاهدون قناتين هما:"العراقية"الرسمية، وپ"تلفزيون الشباب"وكانتا تخضعان لرقابة حكومية صارمة.