أفرزت المسلسلات التركية أنماطا سلوكية جديدة لدى الصغار والكبار على السواء، وتجاوز تأثيرها الدرامي وما تحمله من خيال بحت، الطاقة الاستيعابية للمشاهدين الذين تقمصوا الأدوار وتعاملوا مع مجريات تلك الأعمال على أنها واقع اجتماعي، يعني من الناحية النفسية استكمال ما ينقصهم من خلال ما يجري في هذه المسلسلات من وقائع وعلاقات أسرية واجتماعية وشخصية وعاطفية. واللافت أن الصغار عايشوا فصول وأحداث تلك المسلسلات بصورة انبهار مكثفة، انعكست على اهتماماتهم وأساليب تعاملهم مع من حولهم داخل الأسرة أو المجتمع، وهم من المنظور الواقعي هجروا البرامج والمسلسلات المخصصة لهم وتجاهلوا كل ما يرتبط بهم من عوالم الرسوم المتحركة وأبطالها المشهورين ليتعرفوا عن قرب على أبطال المسلسلات التركية. “شمس” سلطت الضوء على القضية من عدة جوانب للوصول إلى خلفياتها وتداعياتها السلوكية على الصغار، واستقصاء عمليات الإحلال والإبدال التي طرأت على سلوكياتهم من جراء المتابعة المحمومة لتلك المسلسلات. “العيال” كبرت قائد متروك (10 سنوات) يحرص على متابعة المسلسلات التركية لأنه لا يشعر بالملل من مشاهدتها، إذ تتضمن كل ما يحتاج إليه وخاصة المطاردات أو المضاربات أو مشاهد مؤثرة وغرامية. وعن سبب حبه لهذه، يقول: “وجدت “أمي” وكل من حولي يتابعون هذه المسلسلات، ويحرصون على مشاهدتها، وبعد ذلك تبدل الحال وتغير الوضع وأصبحت أشاهدها إعجابا بما يعرض، وذلك بعد أن شاهدت الفنانة لميس التي أرجو أن تصل رسالتي لها وهي إنني أحبها كثيرا”. وبعد اعترافه بمحبة لميس، يضيف قائد: “كثيرا ما أقول لأمي أريد الزواج منها، وكثيرا ما أتمنى أن أكبر حتى أسافر لها وأتزوج بها”، موضحا أنه تضايق وبكى كثيرا حين شاهدها تتزوج من “دنحي”. وحول مشاهدة الرسوم المتحركة، يقول: “لم تعد تغريني مشاهدتها باستثناء مسلسل “توم وجيري”، أما بقية البرامج والأفلام الكرتونية فلا تناسبني وأرى أنني أكبر من أن أتابعها”، مشيرا إلى أنه يشعر بالإحراج في الصف أو مع زملائه إذا تحدث عن الرسوم المتحركة، قائلا: “سينظر لي زملائي نظرة سخرية إذا تحدثت حول “الكراتين” لأننا في المدرسة جل أحاديثنا عن المسلسلات التركية، وأكثر من مرة تحصل مشادات كلامية نتيجة غيرة كل واحد منا على لميس”. ابني أحرجني تقول “أم ريم” إنها كلما أرادت الخروج لزيارة زميلاتها يلح ابنها عليها بمرافقتها، ورغم رفضها إلا أنها تضطر لأخذه معها نتيجة بكائه، وتسرد موقفا حصل لها بسبب إعجاب ابنها ب”لميس”، بقولها: “زرت إحدى زميلاتي، وبينما نتبادل الأحاديث دخلت علينا شقيقة زميلتي للجلوس معنا لأتفاجأ بردة فعل لابني أفزعتني، حيث صرخ قائلا: “لميس، واتجه إلى الفتاة معتقدا أنها لميس، ليضعني في موقف محرج بما عمله مع الفتاة من سلوك غير مهذب، ولكن الفتاة تعاملت مع الموقف بكل عفوية، ولم تتمالك نفسها من الضحك مع الحاضرات من جراء الموقف الغريب، وبعد ذلك الموقف لم أعد أصطحبه معي خشية أن يضعني في موقف محرج آخر”. وتتابع معلقة على الشغف بالمسلسلات التركية: “هذه المسلسلات بات تأثيرها واضحا في كثير من صغار السن من ناحية أخلاقهم أو شخصياتهم أو تصرفاتهم، فابني كان يخجل حين يمازحه أشقاؤه بأنه يريد الزواج، ولكن من بعد ظهور الأعمال التركية تحدث لنا بكل جرأة عن علاقات الحب والزواج، وفي الوقت الجاري يحرص على متابعة مسلسل “عاصي” أكثر من الاهتمام بمدرسته”. تعرف على لميس من جهة أخرى يقول عبدالرحمن الزامل (11 عاما) إنه يحب المسلسلات التركية لأنها تتفوق على المسلسلات العربية بالفنانات، ويقول: “قصص المسلسلات التركية جميلة وطويلة، وأستمتع بكلامهم وأغانيهم”، مشيرا إلى أنه يحفظ أغاني تركية. ويضيف أنه محب كثيرا للفنانتين “نور” و”لميس”، ولا يحرص على متابعة مسلسل تركي ما لم ير إحداهما، لأنهما وحسب قوله: “يثيران الإعجاب بجمالهما وأسلوبهما في الكلام”، مشيرا إلى أنه لا يريد الزواج من إحداهما، ولكنه يتمنى مقابلة هاتين الفنانتين والتعرف عليهما. حق المشاهدة فيما يرى عبدالله الزامل، والد الطفل عبدالرحمن، أنه لا يمانع في مشاهدة ابنه للمسلسلات التركية، ويقول: “من حق الابن أن يجد المتعة والتسلية فيما يحب ويرغب، ما لم تكن ذات ضرر عليه، وشخصيا لا أرى أن هناك ضررا قد يعود على ابني من مشاهدته لهذه المسلسلات، لأنني متابع له وأحرص على نصحه وتوجيهه بما يعود عليه بالنفع، وهذا ما يجب على كل الأسر أن تقوم به مع أبنائها”. ويضيف: “صحيح أن السلوكيات تغيرت، وبات يتحدث عن العلاقات الغرامية وإعجابه بالفنانات سواء “لميس” أو “نور” أو غيرهما، ولكن حقيقة لم ألحظ تأثر ابني من ناحية المستوى المدرسي، إذ لا يزال متفوقا، وكذلك تعامله معنا لا يزال طيبا وحبوبا، ولكن كثيرا ما يردد أغاني تركية بمناسبة ودون مناسبة”. متابعة منفردة تركي العتيبي (11 سنة)، يقول إنه يحرص على متابعة المسلسلات التركية، ويتفاعل مع أحداثها، معتبرا مسلسل “عاصي” من أفضل المسلسلات عنده، معبرا عن إعجابه بعاصي قائلا: “أفضل متابعتها وحدي حتى أستمتع بها، ولا أجد ما يضايقني أو يحرجني حين تكون هناك مشاهد غرامية”. عقاب بسبب مهند فيما تبدي فاطمة (9 سنوات) إعجابها بالفنان التركي “مهند”، وتقول عن المسلسلات التركية إنها مسلسلات حلوة، وتعجبها كثيرا ملابس الفنانات وأبرزهن “لميس”، وتعترف بأنها تحفظ صور الفنان مهند لديها على أمل أن تلتقي به أو يكون من نصيبها، حسب تعبيرها. وتشير فاطمة إلى أنها تعرضت لعقاب في المدرسة من قبل معلمتها بعد أن أحضرت صور مهند إلى المدرسة بهدف اطلاع زميلاتها عليها. مسلسلات هابطة ويخالف محمد العتيبي (12 عاما) من سبقوه، قائلا: “لا أفضّل مشاهدة المسلسلات التركية؛ لأنها حسب تعبيره، مسلسلات هابطة وغير ملتزمة بتعاليم الدين، وتتضمن مناظر أثّرت بشكل واضح في الأطفال، بل حتى الكبار، وهذه المسلسلات غير هادفة ومضيعة للوقت”.