على رغم أن برنامج "أمودو" الوثائقي انطلق قبل سبع سنوات على التلفزيون المغربي إلا انه لم يتوقف عن إحراز النجاح تلو الآخر، وهو نال أخيراً جائزة حفلة"نجوم بلادي"الذي يكرم الإنتاجات السمعية البصرية المغربية كل سنة، والجائزة الذهبية في مهرجان القاهرة الأخير للإعلام العربي عن حلقة بعنوان"حديث الصورة". والحق أن برنامج"أمودو"الذي يعرض كل جمعة يستحق النجاح لأصالة فكرته التي تتمثل بالتعريف بالمغرب الذي يجهله أبناؤه قبل الغرباء عنه. مغرب الجبال النائية والصحاري البعيدة... مغرب القبائل المتناثرة والأراضي الشاسعة. تلك المناطق التي شكلت النسيج الثقافي والمعرفي والسلوكي للمغاربة طيلة قرون طويلة، من دون أن تقترب منها الصورة المتحركة المغربية والعربية إلا نادراً. حتى أنها متى دنت منها تنقل الصورة الغربية فقط عبر وثائقيات العالم المسحورة بألق دول الجنوب ودول الشرق. لكن"أمودو"يعكس الآية. فهو وإن وظف تقنية ووسائل الوثائقي الغربي المتفوق، فهو في الوقت ذاته ينطلق من نظرة وطنية مغربية صرفة تتوخى التعريف بالبلد وثقافته في المقام الأول عبر السياحة في المناطق المجهولة فيه. وپ"أمودو"تعني باللغة الأمازيغية السياحة أو التجوال والسفر. وفي هذا الإطار تعتمد هذه السلسلة التي تجاوزت حلقاتها السبعين على تشجيع القطاع السياحي، وإظهار الموروث الثقافي والبيئي المخزون، واعتماد الوسائل السمعية البصرية الأكثر حداثة وتطوراً. كما تعتمد على السفر والاكتشاف والمغامرة. وهكذا، أنجزت حلقات حول واحة"فم زكيد"في الجنوب حيث القصبات الكثيرة ذات المعمار الطيني المتميز التي عرفت الحياة البشرية منذ أكثر من سبعة آلاف سنة، كما تشير النقوش الحجرية. وفي حلقة"دهاليز الأطلس"اخترق طاقم البرنامج أبعد القرى النائمة في حضن عيون الماء الكثيرة والمغارات الطبيعية الغائرة والأبراج التقليدية. وفي حلقة"جمال بلال"رصد البرنامج يوماً كاملاً في حياة راعي جمال في الصحراء قرر أن يعيش حياته كلها في الامتداد الخالي. يسلط البرنامج الضوء على نمط حياة عفوي يتناغم والطبيعة من دون تدخل للهوى النفسي وللطمع، كما يمنح خزاناً معرفياً حول الصحراء من خلال الحوارات مع أهل هذه المناطق. وكنموذج لحياة الإنسان في محيط معاند وقاس قدمت حلقة"حديث الصورة"التي أخرجها حسن بوفوس حياة عائلة من الرُحل في منطقة طاطا الجنوبية. فسلط المخرج الضوء على منطقة تبدو كأي فضاء صحراوي وعر، ولكن من خلال التصوير الأخاذ والإعداد المشوق منح الوثائقي المشاهد ما لا يبدو للعيان من كنوز متراكمة عبر الزمن، هي الموروث الثري تاريخياً وثقافياً وجغرافياً ولغوياً، عبر تجاذب الأسطوري مع الواقعي والمتخيل الذي يتحكم بحياة سكان البلدة. وتظل أبرز نجاحات هذا البرنامج الحلقات المعنونة بپ"على خطى فيوشانج"التي تتناول مساراً مدوناً في كتاب يتضمن تفاصيل رحلة الفرنسي ميشل فيوشانج العاشق للمغامرة والأدب والذي كان يحلم برؤية مدينة السمارة في الصحراء المغربية. ولهذا الهدف يسافر إلى مدينة الصويرة ويلتقي قائدها الذي يوصيه بالتنكر في زي امرأة إذا أراد تحقيق حلمه... وهكذا حدث. يذكر ان شركة"فوزي فيزيون"تسهر على إعداد"أمودو"وتقديمه، وهي شركة متخصصة في المجال السمعي البصري، رأت النور عام 2001 مع المخرج الحسين فوزي والمسرحي عبدالله داري في مدينة أكادير في الجنوب. وكانت هذه الشركة في الأصل جمعية رياضية لاستكشاف الجبال والمغارات، قبل أن يقرر مؤسسوها خوض مغامرة الإنتاج السمعي البصري للتعريف بمجال الاستكشاف لما يحمله من بعد ثقافي وبصري وإعلامي. وكخطوة أولى نحو هذا الهدف قدموا مشروع برنامج نموذجي لمدير القناة الثانية، وكان مرادهم أن يقودوا طاقم إنتاج من القناة عبر مجاهل الجبال، لكن المشروع لم يكلل له النجاح، قبل ان تهتم به القناة الوطنية الأولى ليصبح من أبرز برامج التلفزيون المغربي.