وهز لبنان زلزال أرضي اخافهم وأربكهم، بعد الزلزال الكبير الذي سبّبه الرفاق بعنادهم وصلفهم ومكابرتهم وصرخ الناس: لبنان"حبلى"يا رفاق... والناس ضاق بها الخناق... الأرز شوهه الهباب... ولا ضباب... والأرض ثكلى تشتكي ظلم الرفاق... والكل يصرخ بالوفاق... ولا وفاق... والكل في هم يسير... والطير ما عادت تطير... والبحر صمت اللاهدير... والدرب مظلمة... والعين دامعة... والرأس مرخي الجبين... قولوا لنا بالله الى اين المصير... والشق يكبر والشقاق وكلكم صار العميد فمن العميد ولا عميد... ومن الرفيق ولا رفيق... اين الرجولة؟ اين الشهامة؟ طوقتمو أرض المحبة بالكراهة والسباب... وجعلتمو أرض السلام بلا سلام ولا وئام وأضعتمو أمل الشباب فلا شباب وقهرتمو حتى الصغير... وبكى لفعلكم الضمير ماذا أصاب القوم وقد طعنوا الوطن... ماذا أصاب الساسة وقد عبثوا بكل مقدسات لبنان الكبير، وشوهوا صوره ومزقوا أهله، وشردوا أطفاله، وشعارهم حب لبنان ولبنان منهم براء، حتى الفواكه في لبنان لا تجد من يقطفها من الشجر، والزهور ذبلت وما عادت تعطر الأجواء، كأنها حزينة على تصرف رجالها ولبنانها وتتهمهم علناً بخيانة هذا الوطن. وتنادى لبنان ليشهد الأنام بأن ظلم ذوي القربى أشد وأعظم، وهل هناك ظلم أكبر من حرمان هذا البلد العزيز من حياته وحريته، وإحالة صناعته إلى ركام، وسياحته الى اطلال مهجورة يخافها الناس بعد ما كانوا يسارعون إليها، وينشدون الفرحة عندها، والمتعة لديها، فقد انتشرت التفجيرات هنا وهناك، وقُتل الناس الأبرياء، وسُفكت الدماء من دون حق ولا ضمير الا الرغبة في فرض الرأي، والظهور على أكتاف الأبرياء، وكراهية للحوار البنّاء، وكأنه تحول الى رغبات شخصية، ومطامع خاصة: وضاع الوطن... وحقوق الوطن... وأهل الوطن... وأطفال الوطن... وتهدمت الربوع... وتعطلت المسيرة... وأذهل هذا كل من في الوطن!! وصرخت المآذن تنادي بوقف هذا الظلم، وسفك هذه الدماء، وطلع الشيوخ في المساجد ينادون ويدعون بوقف فتنة لا مبرر لها، وخراب لا يكسب أحد من خلفه إلا تدمير لوطن عزيز. ودقت الأجراس في كل الكنائس، وصرخ الرهبان يبكون ابعاد هذا المصير، ولم يسلموا وهم يدعون الله من تهم وألفاظ لا تليق بوصف الرعاع فضلاً عن رجال نذروا أنفسهم لخدمة مراكز العبادة، وتجرأ الناس عليهم، وصمتوا وصبروا، وتحرك أهل الفكر، وصرخ أهل الرأي ولكن لا مجيب هنا ولا هناك. وبقي لبنان يبكي منهم، ويبكي عليهم، ويبكي على كل ما ضاع ومن ضاع على أرض هذا الوطن المعطاء الذي يُهدم بيد أبنائه، بلا رحمة، ولا هوادة إلا صراخ أو ضجيج يدّعي حب الوفاق... ولا وفاق!! وعقلاء لبنان الذين كممت أفواههم، وعزلوا حتى عن الصلاح والإصلاح يصرخون بأن هذا البلد كان مثالاً للتعايش والحوار، وعفا الله عن الشاعر الدكتور عبدالعزيز خوجة عندما قال: لبنان يا أملاً ما زِلتُ موئلهُ/ لبنان يا شامخَ الهامات يا بطلُ هذي هي الأرزة الشمّاء دامعة/ هذا هو الجبلُ العملاق ينفعلُ هذا هو السهلُ في أكتافه نضبت/ أرزاق خلق وقد ضاقت بهم سُبُلُ هذا هو البحر هدّار ومن قلق/ يرنو الى القمة الفرعاء يبتهلُ لبنانُ في قلبنا نار تؤرقنا/ خوفاً على بلد قد عزّه الأزلُ لبنانُ أرض الحجى هل للحجى أجلٌ/ قد حان في جدل أم جاءنا الأجلُ كأن لبنانَ لا أرضٌ ولا نسبُ/ وأهلُ لبنان من لبنان قد رحلوا أين الثقافةُ هل جفّت منابعها/ أين النُّهى نورُه ضاعت به الدولُ جُرحٌ على الأمل المكسور ينحرُني/ لبنانُ عُد أملاً فالجرح يندملُ يا ساسة البلد المستنجد اتحدوا/ هذي بلادكم والسهلُ والجبلُ لبنانُ إني على عهدي رفيق هوى/ مهما يَطُل بعدُنا فالجمعُ يشتملُ وجاء الأخ الشاعر الدكتور عبدالله صالح العثيمين ليكمل المنظومة عندما قال: قهقهات الموت في بيروت روح همجية/ حرك الشيطان في ارجائها ألف سريّة وسيوف العرب تجتز رقاباً عربية/ لم يدع بتّارها شيخاً ولم يترك صبية أيهم لبنان في وجدانه أسمى قضية/ كلهم يقتل باسم الشعب والشعب ضحية وختاماً فقد بلغ السيل الزبى، وتدخل في شؤون لبنان كل الغرباء، وساهم في الطحن كل الأوصياء، والكل في الهم سواء، فليت شعري هل تحسون يا ساسة لبنان انكم متهمون، لأن لبنان حبلى يا رفاق، والناس تسأل لمن الرضيع، ومن استفاد من المتاع، وأطفالها صرعى بلا لبن ولا حتى شراب، وقد آن الأوان لأن تمدوا ايديكم وتصطلحوا، ولا أمل في ذلك ولا رجاء إلا إذا: جعلتم مصلحة الوطن فوق مصالحكم وسلامته فوق سلامتكم... وغنيمته فوق غنيمتكم... ومكاسبه فوق مكاسبكم وخسارته عيب... عيب... عيب عليكم شئتم أم أبيتم... استيقظوا يا رفاق قبل لعنة الأجيال، ودعاء مواطن ومواطنة لا يملكان حتى أبسط القوت ولا شربة ماء... خائفان... خائفان منكم وأنتم تدّعون حمايتهما فليت شعري هل تفيقون قبل الزلزال الكبير الذي لن يرحم كبيراً أو صغيراً، وسيحمّلكم التاريخ مسؤولية كل هذا البلاء، فارفعوا عنكم وعن أهلكم ووطنكم البلاء. ولا حول ولا قوة إلا بالله. * كاتب سعودي. وزير سابق.