وتوالت الأحداث في لبنان العزيز، وتسابقت الأحزاب. كل لحزبه ينتصر، وكل يغني على ليلاه، وتسابق الكل لدعم أهدافهم والحصول على أكبر مكاسب لصالح هذا الحزب أو ذاك، وغاب عنهم بكل أسف أن من حق لبنان عليهم أن يعطوه صوتاً واحداً فهو الوطن وهو الموئل. وكأني سمعت لبنان يصرخ فوق جبال الأرز وعلى شواطئ البحر وفي البقاع، والشمال والجنوب، لأنه يتألم مما أصاب أبناءه، ويستغرب هذا الظلم الذي وقع على أبنائه في أنحاء متفرقة من لبنان.. هنا فقر.. وهناك بطالة.. وهنا خوف.. وهناك قلق.. ولبنان يبكي لمصاب أبنائه.. ورجال الأحزاب فوق صهوات جيادهم، مؤمّنين محروسين مطمئنين، في وقت يسحق هؤلاء الفقراء، ويُسحق أولئك المواطنون الذين لا حول لهم ولا قوة، وما عادوا يعرفون إلى أين المصير ومتى تنتهي هذه الفتنة التي اشتعلت وأتت على الأخضر واليابس، ومزقت الناس، وقطّعت الأواصر، وفي النهاية جاءت النتيجة صريحة. لم ينجح أحد، ولم يفلح أحد فقد هزم لبنان على أيدي أبنائه، وضاع لبنان بيد أولاده. ومن هنا جاء الصوت يعلو: إنكم تؤمنون بالديموقراطية، فهل ما تفعلونه فيه ديموقراطية فعلاً تحقق الهدف الأسمى وتنشد رفاهية المواطن وسلامة الوطن؟ وهل تأمركم الديموقراطية بهذا التحزب على حساب الوطن؟ فلتسمعوا أيها الاخوة إلى صوت لبنان يناديكم.. فقد تألم هذا الوطن وسحق هذا الوطن ومزق هذا الوطن وتدهور اقتصاد هذا الوطن وعمت البطالة، وتشرد الشباب من دون ذنب ولا جريرة اللهم إلا رغبات أحزاب تريد أن تحقق مصالح حزبية على حساب هذا الوطن. وصرخ الوطن: ألا تحسبون للبنان حساباً؟ ألا تتقون الله في لبنان؟ لقد عشنا جميعاً في ظلال هذا الوطن، ولم نكن نعرف كل هذه العنصريات والتحزبات والتكتلات الظالمة، وكما يقول أخي الأستاذ جهاد الخازن في مقالته التي نشرت يوم الخميس 20 آب (اغسطس) 2009 في صحيفة «الحياة»: (كنا صغاراً في المدرسة في بيروت لا نعرف من هو المسلم ومن هو المسيحي إن لم يكن اسم الطالب محمد أو حنَّا والآن لا يكفي أن نعرف المسلم من المسيحي بل يجب أن نعرف السنّي من الشيعي). وصرخ لبنان ينادي أولاده: ألا تشعرون بأنكم أصبحتم تخربون هذا الوطن؟ وتخربون بيوتكم بأيديكم وأيدي الدخلاء الذين تدخلوا في شؤونكم الوطنية ووقفوا موقف المتفرج بعد أن أشعلوا النار، وأوقدوا الفتنة! وأصبح الناس يسمعون جعجعة ولا يرون طحناً خلفها! فهل آن الأوان لإعطاء لبنان صوتا؟ هل آن الأوان لنستمع إلى صوت الحق والعدل؟ وأن لهذا الوطن حقاً، علينا أن نستمع إليه. وعاد هذا الوضع ليذكرني بأبيات من تلك القصيدة نشرتها سابقاً في هذه الجريدة الغراء. لبنان مُزق يارفاقْ.. والناس ضاق بها الخناقْ.. والأرض ثكلى تشتكي ظلم الرفاقْ والكل يصرخ بالوفاق.. ولا وفاق.. والدرب مظلمة.. والعين دامعة.. والرأس مرخي الجبين.. قولوا لنا بالله الى أين المصير.. أين الرجولة والشهامة؟ طوقتموا أرض المحبة بالكراهة والسباب.. وجعلتموا أرض السلام بلا سلام ولا وئام. وأضعتموا أمل الشباب فلا شباب. وقهرتموا حتى الصغير.. وبكى لفعلكم الضمير.. أتمنى أن يهدأ هذا الضجيج، ويلتفت الجميع نحو عمل صالح يستجيب لنداء هذا الوطن الذي بني على أيد رجال كافحوا الاستعمار، وحرروا هذا الوطن ثم بنوا لبناته لبنة لبنة، وجئتم - عفا الله عنكم - لتهدموا هذه اللبنات من دون وعي وإدراك لأبعاد هذه الفتنة العمياء، وهذه اللعنة التي أضرت بكل شيء. وكم تمنيت أن تستمعوا إلى النداءات السابقة من الرجال الذين تحدثوا إليكم بلغة صادقة وعقول نيرة، وركزوا على أهمية استقرار الوضع، وخاصة الوضع الأمني في بلادكم، وكما قال خادم الحرمين الشريفين في حديثه عن لبنان: «الطريق يبدأ من جمع كلمتكم ووحدة صفكم ولابد أن تضعوا أيديكم في أيدي بعضكم من أجل هذا الوطن، وعلى اللبنانيين أن يحبوا وطنهم ويلتفوا حوله ويعودوا إلى ضميرهم ويؤدوا واجبهم نحو وطنهم العزيز ويتناسون الخلافات لأن مصلحة الوطن وسلامته فوق كل شيء. وختاماً فالمطلوب في النهاية احترام لبنان وأهل لبنان، والنظر بصورة جادة الى أولئك الرجال والنساء الذين تطحنهم هذه الخلافات، وإلى أولئك الشباب الذين يبحثون عن عمل شريف، والأُسر والناس الذين يتطلعون الى أمنهم في وطنهم وسلامتهم وأطفالهم وعودة لبنان إلى تلك الحياة الهادئة الرغدة. * وزير الإعلام السعودي الأسبق