خيبت واشنطن آمال موسكو في الحصول على اقتراحات محددة لتقريب وجهات النظر في المسائل الخلافية الأكثر حدة، وفي مقدمها خطة نشر الدرع الصاروخية في شرق أوروبا. ورمى الأميركيون الكرة في الملعب الروسي ودعوا موسكو إلى تقديم تنازلات، فيما حرصت موسكو على بث مناخ إيجابي حول محادثات الطرفين، على رغم استبعاد التوصل إلى اتفاق في القضايا الحساسة. وأعلن الرئيس الروسي المنتخب ديميتري مدفيديف ان موسكووواشنطن تريدان احراز تقدم في الاتفاق على مشروع الدرع الأميركية المضادة للصواريخ ومعاهدة خفض الاسلحة الاستراتيجية ستارت. وشدد ميدفيديف في مستهل لقائه مع وزيري الخارجية والدفاع الأميركيين على ضرورة أن تقوم روسياوالولاياتالمتحدة ببناء أساس لاستمرار العلاقات بينهما وتطويرها. وبدأ وزيرا الخارجية والدفاع الأميركيان كوندوليزا رايس وروبرت غيتس مفاوضات في موسكو أمس، في جولة ثانية من المحادثات مع نظيريهما الروسيين سيرغي لافروف وأناتولي سيرديوكوف، ناقش خلالها الجانبان الملفات المتعلقة بقضايا"الأمن الإستراتيجي في أوروبا"وبينها الدرع الصاروخية التي تعتزم واشنطن نشرها في بولندا وتشيخيا، اضافة الى معاهدة الحد من الأسلحة التقليدية في أوروبا التي انسحبت منها موسكو قبل شهور بسبب عدم المصادقة عليها من جانب دول حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، وأيضاً معاهدة تقليص الأسلحة الهجومية الإستراتيجية التي لم يتمكن الطرفان الروسي والأميركي من التوصل إلى صيغة لتمديدها بسبب خلاف على عدد من البنود. واستهل الوزيران الأميركيان نشاطهما في العاصمة الروسية أمس، بلقاء مع الرئيس فلاديمير بوتين وخليفته المنتخب ديمتري ميدفيديف. واللافت أن الضيفين مهدا لمحادثاتهما في الكرملين بالتعبير عن قناعتهما بأن المرحلة المقبلة"لن تشهد تغيراً في سياسة روسيا الخارجية"بحسب ما قالت رايس، في إشارة إلى توقعات أميركية باستمرار السياسة الحالية للكرملين على رغم الوعود التي قطعها ميدفيديف على نفسه بتوسيع هامش تحرير الاقتصاد والانفتاح على أوروبا. وفي وقت لاحق، عقد الوزراء الأربعة جولة عمل ينتظر أن تستكمل اليوم، على رغم تراجع الآمال في تحقيق تقدم ملموس في المسائل المختلف عليها، علماً أن موسكو كانت أعربت عن أملها قبل أيام بأن"يحمل الوزيران الأميركيان اقتراحات محددة كانا وعدا بها"خلال جولة المحادثات الرباعية الأولى التي انعقدت في موسكو أيضاً في تشرين الأول أكتوبر الماضي. لكن المسؤولين الأميركيين استبقا المحادثات الحالية بحض موسكو على تقليص توقعاتها، وقال غيتس للصحافيين أثناء توجهه إلى موسكو إن الولاياتالمتحدة"تريد أن تقوم روسيا بالخطوة التالية في مفاوضات الدفاع الصاروخي"، مؤكداً أن بلاده"لن تقدم أي اقتراحات جديدة". وقال غيتس:"وضعنا الكثير على طاولة البحث خلال اللقاء السابق وحان الوقت ليفعل الروس المثل". وأوضح أن المطلوب من روسيا"تقديم تنازلات تسهل تقريب المواقف"، معتبراً أن الحديث عن احتمال توصل الطرفين إلى اتفاق محدد قريباً"تحمل مبالغة". وأضاف الوزير الأميركي أنه يفضل أن لا يكون"متحمساً في شكل أكبر مما يجب في هذه المرحلة. ورداً على تصريحات الوزير الأميركي نقلت وكالة انباء"تاس"الروسية عن مسؤول بارز في وزارة الدفاع قوله:"إذا كان المسؤولان الأميركيان لا يحملان أي اقتراحات جديدة فهذا يعني أن الطرفين سيكرران مواقفهما السابقة خلال اللقاء الحالي". واشار المصدر إلى أن بلاده"لن تتراجع عن موقفها في شأن ضرورة العمل المشترك لإجراء تقويم شامل للتهديدات التي تواجه أوروبا حالياً، والسبل الجماعية للرد عليها". ومعلوم أن الأميركيين قدموا خلال جولة المحادثات السابقة"أفكاراً شفوية"كما وصفها الروس، تدور حول احتمال السماح لمراقبين من روسيا بالتواجد داخل منشآت الدرع الصاروخية لمتابعة عملها، لكن موسكو اعتبرت ذلك"غير كاف"وطالبت واشنطن بتقديم اقتراحات محددة حول آليات العمل المشترك على صعيد الأمن الإستراتيجي في أوروبا. وتعد مسألة الدرع الصاروخية على رأس المسائل الخلافية، لأن واشنطن تجنبت تقديم ضمانات للروس بمراقبة عمل أنظمة الصواريخ والرادار التي سيتم نصبها بحيث لا توجه نحو الأراضي الروسية، كما أن بولندا وتشيخيا أعلنتا عدم موافقتهما على تواجد عسكري روسي على أراضيهما. أيضا، يعتبر الروس أن الاتفاق على هذه المسألة لن يكون كافياً، لأن الأهم بحسب مصادر عسكرية في موسكو، أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق شامل لعمل مشترك لمواجهة التحديات المعاصرة. وتشكل مسألة تمديد معاهدة تقليص الأسلحة الهجومية الإستراتيجية عنصراً خلافياً أيضاً لأن الروس يعتبرون أن الأميركيين لم يقوموا بالتزاماتهم وفقاً للمعاهدة التي وقعت نهاية العهد السوفياتي. كذلك تشكل معاهدة الحد من الأسلحة التقليدية في أوروبا عنصر خلاف حاد بعدما انسحبت موسكو منها نهاية العام الماضي، وربطت عودتها إلى الالتزام بالمعاهدة، بالمصادقة عليها في كل دول الأطلسي. وسار الروس خطوة أوسع عندما لوحوا باحتمال البدء بصناعة أجيال جديدة من الأنطمة الصاروخية التي كانت تحرمها المعاهدة، في حال واصل الأميركيون وحلف الأطلسي"سياستهم التي تشكل تهديداً للأمن الإستراتيجي الروسي".