أكدت موسكو وواشنطن عزمهما على تقريب وجهات النظر والتوصل إلى إتفاقات «مهمة وضرورية» في المسائل العالقة بين البلدين. واعتبر الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف أن «كل الفرص متوافرة لطي صفحة خلافات الماضي»، فيما أعرب نظيره الأميركي باراك أوباما عن قناعته «بقدرتنا على التقدم وتحقيق نتائج جيدة». وسيطر تفاؤل وصفه معلقون روس بأنه «مشوب بالحذر» على محادثات الرئيسين في الكرملين أمس. واستهلها الزعيمان بالتطرق إلى طقس موسكو البارد الذي اعتبره أوباما «عنصراً محفزاً على العمل». وكانت درجات الحرارة تدنت أمس، في العاصمة الروسية إلى حدود تعتبر سابقة في هذا الوقت من السنة. لكن برودة الجو لم تنعكس على اللقاء الذي افتتحه ميدفيديف بتقديم هدية حملت دلالات سياسية مهمة إلى الضيف الأميركي وهي وثائق تاريخية بينها رسالة تعود إلى عام 1866 حملت عنوان «سكان الولايات الأميركية الشمالية يعربون عن امتنانهم لالكسندر الثاني على تعاطفه ومساعدته في الحرب الأهلية». وحملت الوثيقة التاريخية رسوماً ترمز إلى الامبراطورية الروسية والولايات الأميركية الشمالية، وفيها صورة الرئيس ابراهام لنكولن محاطاً بعبيد تم تحريرهم، وأخرى للقيصر الروسي الكسندر الثاني محاطاً بفلاحين نالوا حريتهم. كما سلم ميدفيديف الضيف صوراً لرسائل تبادلها الكسندر الثاني وابراهام لنكولن في تلك الفترة. ومهد ميدفيديف للمحادثات الرسمية بالإشارة إلى أن البلدين «يواجهان مشكلات عدة، بينها قضايا ضمان الأمن العالمي، والأسلحة الإستراتيجية الهجومية. وأعتقد أنه تتوافر لدينا كل الفرص لتبني قرارات مهمة وضرورية في كل المسائل المدرجة على جدول الأعمال». كما أعرب ميدفيديف عن أمله في أن تتكلل المباحثات «بتسوية عدد من المشاكل التي تشوب العلاقات بين روسياوالولاياتالمتحدة». وزاد: «آمل في أن نتمكن من إغلاق عدد من المشكلات المعقدة في تاريخ العلاقات الروسية - الأميركية، وأن نفتح صفحة جديدة. ووصف زيارة أوباما لروسيا ومحادثاته في موسكو بأنهما «حدث كبير». في المقابل، أكد أوباما أن «ما يجمع بين روسياوالولاياتالمتحدة في عدد كبير من القضايا، مثل ملفات الأمن والاقتصاد والطاقة والبيئة، هو أكثر بكثير من الاختلافات، وإذا بذلنا الجهود وعملنا بدأب في الأيام المقبلة، سنحقق، كما اعتقد، نتائج جيدة وتقدماً». ولفت أوباما إلى رغبته في أن «نواصل النقاش الذي بدأ في لندن»، في إشارة إلى أول قمة جمعت الرئيسين في مطلع نيسان (أبريل) الماضي، وعلق بعدها أوباما بأنه يعول على إعادة بناء الثقة بين الجانبين. وعقد الرئيسان جولة محادثات ثنائية انضم بعدها وفدا البلدين. وتركز البحث على عدد من القضايا الثنائية، مع التركيز على عملية «إعادة تشغيل العلاقات» بين روسياوالولاياتالمتحدة. كما تطرق الطرفان إلى ملفات دولية وإقليمية، إضافة الى تداعيات الأزمة المالية - الاقتصادية العالمية. خفض التسلح وتعد مسألة تقليص الأسلحة الهجومية الإستراتيجية أبرز المحاور التي تركز البحث عليها. علماً أن الطرفين أعلنا قبل القمة عن التوصل إلى إتفاق إطار يمهد لمواصلة المشاورات بهدف وضع صياغة نهائية لمعاهدة الحد من الأسلحة الإستراتيجية الهجومية (ستارت2) وتوقيعها قبل نهاية العام الحالي. لكن اجواء التفاؤل التي سيطرت على القمة، لم تخفف من صعوبة المسائل الخلافية التي تم التطرق إليها، خصوصاً أن الطرفين مهدا للقاء بالتأكيد على موقفيهما السابقين حيال «العقدة» الأبرز في المحادثات وهي الدرع الصاروخية الأميركية المزمع نشرها في شرق أوروبا. وقال ميدفيديف إن موسكو ترى ان تقليص الأسلحة الإستراتيجية الهجومية، ومسألة «الدرع» موضوعان «لا يمكن فصلهما». وزاد أن بلاده «لا تعارض من حيث المبدأ تطوير مثل هذه المنظومات الدفاعية، ولكن بشرط ألا تكون أحادية الجانب وموجهة ضد دولة ما». وأوضح ميدفيديف: «تطرقنا إلى هذا الموضوع مراراً، وأنا شخصياً أشرت مرات إلى أننا نقف ضد نشر منظومة الدرع الصاروخية في بولندا وتشيخيا. وكانت الإدارة الأميركية السابقة غير جاهزة لتغيير موقفها من هذا الموضوع. أما الإدارة الأميركية الجديدة فهي مستعدة لنقاش هذه المسألة». في المقابل، قال اوباما في حديث نشرته أمس، جريدة «نوفاي غازيتا» الروسية ان «الدرع الصاروخية ترمي إلى حماية الولاياتالمتحدة وأوروبا من الخطر الصاروخي الإيراني وليس من روسيا». وزاد إن «كل من يفكر في شكل آخر يعتبر تفكيره من ارث الحرب الباردة». وإضافة إلى هذا الملف الذي يستبعد محللون روس أن تسفر القمة عن «إختراق» في شأنه، برزت مشكلة إيران النووية كملف خلافي مجدداً، بعد تصريحات أميركية لا تعارض توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية إلى إيران. ومعلوم أن روسيا تعارض بشدة اللجوء إلى استخدام القوة لتسوية الملف الإيراني، وأعلنت أخيراً أن المعلومات المتوافرة لديها تؤكد أن الإيرانيين «ما زالوا بعيدين عن تطوير برنامج نووي عسكري». في موازاة النقاط الخلافية العالقة، حرص الجانبان على تحميل عبارة «إعادة التشغيل» بعداً عملياً من خلال توقيع عدد من اتفاقات التعاون أبرزها اتفاق يسمح للولايات المتحدة باستخدام الأراضي الروسية لنقل إمدادات عسكرية إلى أفغانستان، وآخر أطلقت عليه تسمية «إتفاق إطار» حول التسلح الإستراتيجي وهو يمهد لإعداد اتفاقية لمواصلة تخفيض مخزون الدولتين من الأسلحة الإستراتيجية. كما أعد خبراء الطرفين إتفاقاً لاستئناف التعاون العسكري المجمد منذ الحرب الجورجية – الروسية الصيف الماضي، وهو ينص على إعادة إطلاق التعاون في مجالات الاستخدام السلمي للطاقة النووية بين البلدين. وينتظر أن يلتقي أوباما اليوم، رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين خلال فطور عمل، يتوجه بعده لإلقاء خطاب في معهد إقتصادي. كما يستقبل وفداً يضم كبار رجال المال والأعمال الروس.