كرست المحادثات الروسية - الأميركية في موسكو أمس، اتساع الخلاف بين الجانبين حول قضايا الأمن الاستراتيجي، الى الدرجة التي كان عليها أيام الحرب الباردة، إذ فشلت محادثات وزراء الخارجية والدفاع في البلدين في تقريب وجهات النظر في أي من المسائل الخلافية. وأعلن الجانبان الأميركي والروسي تمسك كل منهما بمواقفه من إيران والدرع الصاروخية الأميركية ومعاهدة الحد من الأسلحة التقليدية والاستراتيجية. ولم تسفر التحضيرات الواسعة التي سبقت وصول وزيري الخارجية والدفاع الأميركيين كوندوليزا رايس وروبرت غيتس الى موسكو، عن اختراق. وانتهت جولة المحادثات التي وصفت ب"الطويلة والصعبة"بين الوزيرين ونظيريهما الروسيين سيرغي لافروف واناتولي سيرديوكوف، بإعلان فشل الجانبين في التوصل الى اتفاق. واستبق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المحادثات باستقبال رايس وغيتس في الكرملين، وحضهما على"عدم التسرع في نشر الدرع الصاروخية"الأميركية في بولندا وتشيخيا، ولوح بانسحاب بلاده من معاهدة تقليص الرؤوس النووية الموقعة بين الجانبين في حال عدم مراجعة المعاهدة وفقاً للتغيرات العالمية وإشراك دول أخرى بها. وبذلك يكون بوتين سار خطوة إضافية في اتجاه تأكيد عزم بلاده على مراجعة كل معاهدات الحد من التسلح الموقعة سابقاً بانتظار ضمان"التزام كل الأطراف بها"، علماً ان موسكو أعلنت قبل شهور انسحابها من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة التقليدية في أوروبا للسبب ذاته. راجع ص 8. كذلك استبق الأميركيون محادثات موسكو، بإعلان قائد سلاح البر الأميركي في أوروبا الجنرال ديفيد ماك كيرنان عن أمله في المحافظة على عدد القوات المنتشرة في أوروبا 40 ألف عنصر لمواجهة ما وصفه ب"روسيا المنبعثة". وكان مقرراً خفض عديد هذه القوات الى 28 الفاً في غضون ثلاث أو أربع سنوات، حتى يتأقلم الجنود مع فترة ما بعد الحرب الباردة، لكن ماك كيرنان قال:"طلبنا الجنرال كرادوك قائد القوات الحليفة في أوروبا وأنا، الاحتفاظ بقدرات إضافية في أوروبا... لأننا لا نعرف ماذا سيحصل مع انبعاث روسيا". وفي موسكو، عقد الوزراء الأربعة مؤتمراً صحافياً في ختام محادثاتهم، اعترفوا خلاله بفشلهم في تقريب وجهات النظر. وقالت رايس ان النقاش حول المسألتين الأكثر تعقيداً وهما الدرع الصاروخية ومعاهدة تقليص الرؤوس النووية الهجومية"انتهى من دون تحقيق أي نتائج"، مضيفة ان موسكووواشنطن توصلتا الى استنتاج بأن الخبراء من الجانبين"يجب ان يعملوا في أسرع وقت ممكن على هذين الملفين". وأضافت رايس ان الجانب الأميركي"سعى الى تقديم أجوبة على الأسئلة التي تقلق موسكو، ونحن ندرك الآن انه هنا أيضاً ينبغي ان يناقش الخبراء سبل إتمام هذه المهمة". وفي تأكيد على تمسك كل طرف بمواقفه، قالت رايس ان بلادها"ستواصل العمل على نشر الدرع الصاروخية في بولندا وتشيخيا مع تفهمنا للقلق الروسي"، وأعربت عن الأمل في إمكان"ان نشرح للروس أهمية هذا النظام، وجوهر الخطر المنوط به مواجهته". وفي الوقت ذاته، قال غيتس ان رادار كابالا أذربيجان الذي تشغله روسيا وعرضته بديل لخطة واشنطن نشر أجزاء من الدرع في بولندا وتشيخيا،"لن يقدر على تحمل المهمة ولن يكون مفيداً في المرحلة النهائية من المسار لاعتراض أي صاروخ". في المقابل، أشار لافروف الى ان واشنطن قدمت خلال المحادثات اقتراحاً مضاداً للاقتراح الروسي"يعكس رؤية مقابلة لرؤيتنا وسنقوم بدراسته". وفي شأن معاهدة القوات التقليدية في أوروبا، قال لافروف ان الجانب الروسي استمع الى اقتراحات أميركية لكنها"ليست كافية على رغم اعتقادنا بأنها خطوة في الاتجاه الصحيح"، وتعهد بأن تقوم موسكو بدراسة الاقتراحات و"مواصلة النقاشات مع واشنطن حولها". وأكد لافروف ان روسيا والولايات المتحدة عازمتان على دعوة كل البلدان الى الانضمام إلى معاهدة إزالة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى. وقال:"نظراً الى تنامي تهديد انتشار الصواريخ في العالم، اتفقنا على دعوة كل البلدان للانضمام إلى هذه المعاهدة". واعتبر سيرديوكوف أن العقدة الأساسية التي واجهت المحادثات أمس، كانت متعلقة بالدرع الصاروخية، مضيفاً ان الطرفين لم يتمكنا من تقريب وجهات النظر في هذا الموضوع، و"نحن نعتقد بأن المنظومة تحمل طابعاً معادياً لروسيا". وفي شأن الملف الإيراني، راوحت مواقف الطرفين مكانها أيضاً، إذ أعلن لافروف ان بلاده"راضية عن تعاون إيران مع الوكالة الدولية"للطاقة الذرية، مشدداً على وجوب انتظار تقرير المدير العام للوكالة محمد البرادعي وممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا، في منتصف تشرين الثاني نوفمبر المقبل. وقال:"بناء على التقرير، تتخذ القرارات اللازمة"، رافضاً بقوة"أي عقوبات من جانب واحد"باعتبار أنها تشكل"خروجاً عن الموقف الجماعي". وحذر من ان التلويح بالخيار العسكري ضد إيران"يشكل ضربة للجهود الديبلوماسي، ويحشر الإيرانيين في الزاوية". وردت رايس بالقول ان بلادها متفقة مع الموقف الجماعي لكنها اتهمت إيران بعدم التعاون. وزادت انه إذا امتنعت طهران عن نشاطات التخصيب وعادت الى التعاون مع المجتمع الدولي فان واشنطن مستعدة لتغيير موقفها، لكن"إذا أصرّ الإيرانيون على مواقفهم الحالية فانه وفقاً للبند السابع من ميثاق الأممالمتحدة، سنعتبر أي جهات تتعاون مع طهران طرفاً يجب تطبيق عقوبات عليه أيضاً".