فشلت موسكووواشنطن في التوصل الى اتفاق يضيّق هوة الخلاف حول قضايا "الأمن الاستراتيجي"، واكدت موسكو تصميمها على موقفها المعارض لنشر الدرع الصاروخية الاميركية في اوروبا، ودعت الولاياتالمتحدة الى التراجع عن خطتها في هذا الشأن. وشدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ختام محادثات أجراها في موسكو وزيري الخارجية والدفاع الأميركيين كوندوليزا رايس وروبرت غيتس، على نية بلاده المضي في قرارها الانسحاب من معاهدة الحد من الأسلحة التقليدية في أوروبا في حال لم يستجب حلف الأطلسي لمطالبها. وأجرى وزراء الخارجية والدفاع الروس والأميركيين جولة مفاوضات"صعبة وطويلة"في موسكو، من دون التوصل الى نتائج في اي من القضايا الخلافية بين البلدين وعلى رأسها برنامج نشر الدرع الصاروخية الأميركية في بولندا وتشيخيا، وقرار موسكو الانسحاب من معاهدة الحد من الأسلحة التقليدية في أوروبا، إضافة الى التلويح الروسي بالانسحاب من اتفاق تقليص الأسلحة الاستراتيجية الهجومية الموقع بين موسكووواشنطن، وكذلك الأزمة النووية الإيرانية. وبدا جلياً منذ اللحظات الأولى لوصول الوزيرين الأميركيين الى موسكو، ان مسألة التوصل الى حلول وسط ومحاولات تقريب وجهات النظر بين الجانبين، ستكون شائكة ومعقدة، خصوصاً ان الطرفين استبقا المحادثات بالتأكيد على مواقفهما السابقة. وأبلغت وزيرة الخارجية الأميركية الصحافيين على متن الطائرة التي أقلتها الى موسكو بأن الإدارة الأميركية تدعو إلى المحافظة على العناصر المفيدة في المعاهدة الأميركية - الروسية حول تقليص الأسلحة الهجومية الإستراتيجية، ولكنها لا تريد العودة إلى الاتفاقات"الضخمة"من النوع السابق والخاصة بمراقبة التسلح. وقالت ان بلادها تنطلق من منطلق أن الولاياتالمتحدة في حاجة إلى الدرع الصاروخية في بولندا وتشيخيا، ولكن واشنطن مستعدة لإضافة نقاط جديدة إلى تلك العناصر، في إشارة الى اقتراح روسي باستخدام رادارات روسية في شكل مشترك، علماً بأن هذا الموقف ترفضه موسكو بشدة، وترى ان الاقتراح الروسي يجب ان يكون بديلاً عن الخطة الأميركية، وليس مكملاً لها بحسب وجهة نظر الأميركيين. إيران وفي شأن ملف إيران النووي، اتهمت رايس طهران"بتضليل المراقبين الدوليين والكذب في ما يخص برنامجها النووي"علماً ان بوتين كان أكد قبل اقل من يومين عدم توافر أدلة او معطيات تشير الى قيام الإيرانيين بتطوير برنامج نووي عسكري. ومهد الروس للمحادثات بالتشديد على ان المطلوب"ليس التوصل الى حلول وسط غير قابلة للتطبيق، بل صيغ تلبي حاجات موسكو لضمان أمنها الوطني". وقال رئيس مجلس الشيوخ الروسي سيرغي ميرونوف ان نشر الدرع الأميركية يشكل خطورة على روسيا، ولا يمكن تفسيره إلا بان واشنطن"تقوم في الواقع بنشر القوات النووية الهجومية الأميركية قرب أراضينا". وتعمد الرئيس الروسي خلال استقبال رايس قبيل بدء المحادثات الرباعية أمس، ان يؤكد مجدداً على ما وصفه البعض بأنه"ثوابت روسية لا يمكن التراجع عنها"، اذ شدد على رفض المشروع الأميركي وحض واشنطن على"عدم التسرع بتنفيذ اتفاقات وقعت مع دول في أوروبا الشرقية"، لافتاً الى ان موسكووواشنطن"تجريان حالياً مفاوضات ليست سهلة حول هذا الموضوع"وحول قرار بلاده الانسحاب من معاهدة الحد من الأسلحة التقليدية الذي يدخل حيز التنفيذ في منتصف كانون الاول ديسمبر المقبل. ورأى بوتين ان المطلوب هو إجراء مراجعة شاملة لبنود المعاهدة التي لم تعد تتماشى مع التغيرات الكبرى في العالم. وأشار كذلك الى معاهدة تقليص الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، مؤكداً ضرورة إشراك الدول الأخرى. ولوح بوتين باحتمال انسحاب بلاده من هذه المعاهدة أيضاً إذا لم تتم مراجعتها، مشيراً الى انه"إذا لم نتمكن من تحقيق هذا الهدف فسيكون من الصعب علينا البقاء في إطار هذه المعاهدة في الوقت الذي تقوم دول أخرى بتطوير أنظمة الأسلحة هذه، بما فيها الدول القريبة من حدودنا". الى ذلك، دلت تصريحات أدلى بها مفاوضون روس خلال فترة الاستراحة التي تخللت محادثات الوزراء الأربعة الى تمسك كل من الطرفين بمواقفهما المعلنة، إذ صرح مدير دائرة الاتفاقات الدولية في وزارة الدفاع الروسية الجنرال يفغيني بوجينسكي بأن مواقف روسيا تجاه قضيتي نشر عناصر من المنظومة الأميركية للدفاعات المضادة للصواريخ في أوروبا الشرقية وإخراج معاهدة الحد من القوات المسلحة التقليدية في أوروبا من المأزق الحالي الذي تمر به، لم تتغير. وأكد للصحافيين ان"روسيا لن تقدم تنازلات للولايات المتحدة في هاتين القضيتين". وتجنب الجنرال بوجينسكي التعليق على سؤال حول مدى تقارب مواقف الجانبين خلال المحادثات، مشيراً الى ان بلاده"ترغب في ان تكون المحادثات بناءة، ولكن تبقى هناك اختلافات في الرأي". وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف افتتح المحادثات بالتعبير عن أمله في أن تراعي واشنطن اقتراحات موسكو في شأن منظومة الدفاع المضاد للصواريخ، ومعاهدة تقليص الأسلحة الهجومية الإستراتيجية، ومعاهدة الحد من القوات المسلحة التقليدية في أوروبا. وحض الأميركيين على"إجراء حوار جاد حول هذه المسائل مع مراعاة الاقتراحات التي قدمتها روسيا سابقاً".