من الخطأ الاستهانة بأهمية التصريحات الأخيرة لحسن روحاني مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي والمسؤول السابق عن الملف النووي، هذا الملف الذي اصبح السبب الأساسي وراء المواجهة بين ايران والعالم. لا تنبع اهمية هذه التصريحات من كونها الاولى من نوعها. فالتيار الذي يصف نفسه ب"الاصلاحي"في ايران لم يتوقف عن اعلان المواقف المعترضة على ادارة الشأن الداخلي، بما في ذلك الطريقة التي يتم بها التحضير للانتخابات المقبلة، وكذلك على ادارة السياسة الخارجية في مواجهة العقوبات التي باتت تشكل عبئاً حقيقياً على الاقتصاد الايراني. أهمية تصريحات روحاني انها تمثل رداً مباشراً على اشادة خامنئي بسياسة احمدي نجاد وحكومته، وعلى اعتبار المرشد ان هذه السياسة، التي لا يتردد في وصفها ب"الحكيمة"، باتت تفرض"التراجع"على اعداء ايران. أي اننا أمام رجل مسؤول في سلم الهرم الايراني قادر على الوقوف في وجه مرشد الثورة، الذي يُعتبر المرجع الاخير في النظام، لانتقاد مواقفه بصورة علنية وادانة سلوك رئيس الجمهورية الذي يُعتبر خامنئي حاميه الحقيقي، وربما الوحيد. واذا كان من بديل لاحتمالات المواجهة الاقليمية والغربية مع طهران، التي تكاد تبدو حتمية، في ظل الخطاب المتشدد والبعيد عن الواقعية الذي يعتمده احمدي نجاد، فإن هذا الرهان يجب أن يعتمد على اصوات عاقلة من داخل النظام الايراني نفسه، قادرة على النظر الى العالم بعيون مفتوحة، وعلى تصحيح هذا المسار الانتحاري الذي تتجه اليه طهران مع الولاية الحالية لرئيسها. اصوات من نوع ما سمعناه من روحاني الذي قال عن السياسة الخارجية الحالية لبلاده:"هذه ليست سياسة خارجية. ينبغي اختيار اداء يتسم بالليونة لخفض التهديدات وضمان مصالح ايران". هذا بينما يستخف الرئيس الايراني بالقرارات الدولية وبفرض العقوبات مهدداً بأن مجلس الأمن يستطيع ان يفرض"مئة قرار"على ايران من دون ان يكون لها اي تأثير. هذه الاصوات المعتدلة من داخل النظام التي نتحدث عنها لا يخدمها التصعيد الخارجي ضد ايران ولا الاستغلال الاسرائيلي للمواجهة القائمة مع طهران، في الوقت الذي تملك اسرائيل مخزوناً نووياً لا يمكن لأحد في المنطقة ان يبرره او يدافع عنه. ما يخدم اشخاصاً مثل روحاني ومحسن رضائي القائد السابق ل"الحرس الثوري"ومحمد قاليباف رئيس بلدية طهران وحتى علي لاريجاني المسؤول السابق عن الملف النووي وسواهم، هو عدم توظيف مواقفهم من قبل الدول الغربية في معركتها مع النظام الايراني. فإذا كان لهذه الاصوات ان تنتصر في ايران وان تحقق أي اختراق في جدار التماسك الذي يبدو صلباً حول سياسات احمدي نجاد، فيجب الاخذ في الاعتبار ان هؤلاء الاشخاص هم من داخل الثورة، وبالتالي فهم لا يستطيعون تحقيق أي تقدم داخلي اذا تم إلصاق التهم بهم وتصنيفهم ضمن معسكر"الاعداء"او في خدمة هذا المعسكر، وهي التهم التي يوجهها اليهم احمدي نجاد في اطار لعبة مكشوفة لتشويه صورتهم واتهامهم ب"تطبيق مخططات العدو". اهمية هؤلاء المعارضين هي في ولائهم للجمهورية الاسلامية، وبالتالي في ان اعتراضاتهم هي في خدمة الجمهورية وبقائها وليست بهدف القضاء عليها واسقاطها. هذا بالضبط، اي المحافظة على الثورة، هو ما تهدف اليه الانتقادات الضمنية التي يوجهها حسن روحاني للرئيس الايراني بسبب تصريحاته الداعية الى"ازالة اسرائيل من الخريطة". يرد روحاني على ذلك بجملة نعتبر جميعاً انها من البديهيات :"اذا اعتبر المجتمع الدولي ان بلداً ما يريد إزالة الآخرين، فلن يدعه يقوم بذلك وسيواجهه". وهكذا فبينما يرى احمدي نجاد ان النتيجة الطبيعية لتصعيده الخطابي، والخطابي فقط، ضد اسرائيل، سينتهي الى فنائها، يعتبر روحاني ومن يوافقونه في ايران أن مثل هذا الخطاب هو الوقود الذي يغذي العداوات ضد النظام الايراني التي قد تنتهي بفنائه هو نفسه. وهذا بالضبط ما سبق ان اشار اليه الرئيس السابق محمد خاتمي الذي اعتبر ان تصريحات احمدي نجاد"تمثل كارثة وتشكل اكبر تهديد للثورة والنظام والمجتمع". اهمية هذا الحراك الداخلي ايضاً أنه يؤكد أن النظام الايراني ليس نظاماً اوتوقراطياً، بالمعنى الذي يمكن افتراضه في نظام تمثل المؤسسة الدينية قاعدته الاساسية. انه نظام قابل ومنفتح على فكرة التعدد، التي تملك امكانات انقاذه. وهذا ما لا ينطبق على كثير من الانظمة والحركات المحيطة التي تعتبر نفسها رديفة لطهران او سائرة في فلكها.