مدرب المنتخب السعودي: لن نشارك في خليجي 26 بهدف التجربة    ضبط 20159 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    ضيوف الملك من "البوسنة": مواقف المملكة مشهودة    أمريكا تنجو من كارثة «شلل» الحكومة الفيدرالية    القبض على مقيم بالطائف لترويجه مادة "الشبو"    من هو مرتكب حادثة الدهس في ألمانيا ؟    ارتفاع سعر الروبل أمام العملات الرئيسية حتى 23 ديسمبر الجاري    أمطار خفيفة على جازان وعسير والباحة    انطلاق مؤتمر جمعية "علوم المختبرات" في الرياض .. غدا    المملكة ومصر .. شراكة استراتيجية تضخ استثمارات ب15 مليار دولار    المملكة تدين حادثة الدهس التي وقعت في ألمانيا    المركز الوطني للعمليات الأمنية يواصل استقباله زوار معرض (واحة الأمن)    حضور ثقافي كبير في أول أيام ملتقى القراءة الدولي بالرياض    وزير الطاقة يرعى الحفل الختامي لجائزة كابسارك للغة العربية    رابطة العالم الإسلامي ترحّب بتبني الأمم المتحدة قراراً بشأن التزامات إسرائيل المتعلقة بأنشطة الأمم المتحدة والدول الأخرى لصالح الفلسطينيين    تاليسكا يؤكد اقتراب رحيله عن النصر    اليوم ليلة الحسم في المملكة أرينا: ومواجهة أوسيك وفيوري لتوحيد ألقاب الوزن الثقيل    230 فارساً وفارسة يتنافسون على كأس التحدّي للقدرة والتحمل في الرياض    القوات الخاصة للأمن البيئي تواصل استقبال زوار معرض (واحة الأمن)    "الهجّانة" والمركبات الكهربائية.. التاريخ والمستقبل    البرنامج الثقافي لمعرض جدة للكتاب يسلط الضوء على علاقة الفن بالفلسفة    سينما الخيال العلمي في العالم العربي.. فرص وتحديات في معرض الكتاب    «الجوهرة».. أيقونة رياضية بمعايير عالمية تحت الأضواء في «كتاب جدة»    شولتس يعرب عن مواساته وتعاطفه مع ضحايا الهجوم في ماغديبورغ    الأمم المتحدة: الأزمة الإنسانية في السودان «غير مسبوقة»    الأمر بالمعروف في جازان تفعِّل المعرض التوعوي "ولاء" بالكلية التقنية    ضيوف الملك من "الجبل الأسود" يشيدون بجهود المملكة في خدمة الإسلام والمسلمين    الأخضر السعودي يختتم معسكر الرياض ويغادر إلى الكويت للمشاركة في خليجي 26    توقيع مذكرة تعاون بين النيابة العامة السعودية والأردنية لتعزيز مكافحة الجريمة والإرهاب    عسير: القبض على مخالفين لنظام الحدود لتهريبهما 15000 قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    شيخ شمل قبائل الحسيني والنجوع يهنى القيادة الرشيدة بمناسبة افتتاح كورنيش الهيئة الملكية في بيش    نائب رئيس نيجيريا يغادر جدة    الأمير محمد بن ناصر يفتتح شاطئ الهيئة الملكية بمدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية    الشؤون الإسلامية بجازان تنفذ ورشة عمل بمحافظة صبيا    ولي العهد يجري اتصالاً هاتفياً بملك المغرب للاطمئنان على صحته    مدير عام الشؤون الإسلامية في جازان يتفقد مسجد العباسة الأثري بمحافظة أبي عريش    %20 من المستثمرين شاركوا في الاكتتابات العامة بالمملكة    وزارة التعليم تنظم ورشة عمل "المواءمة مع التغيير والتحول في قطاع الخدمات المشتركة" في جازان    تعرف على قائمة المتوجين بلقب كأس الخليج    إمام الحرم المكي: الرسل بعثوا دعاة إلى الخير وهداة للبشر    الدفاع المدني السوري: «تماس كهربائي» أشعل نيران «ملعب حلب»    البدء بأعمال صيانة جسر تقاطع طريق الأمير نايف مع شارع الملك خالد بالدمام ... غدا السبت    لسرعة الفصل في النزاعات الطبية.. وزير العدل يوجه بتدشين مقر دوائر دعاوى الأخطاء المهنية الصحية    5 إستراتيجيات لإنهاء حرب روسيا وأوكرانيا    دروس قيادية من الرجل الذي سقى الكلب    الحصبة.. فايروس الصغار والكبار    مدربون يصيبون اللاعبين    تقطير البول .. حقيقة أم وهم !    «سكن».. خيرٌ مستدام    السعوديون في هيثرو!    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء ينقذ مراجعاً عانى من انسداد الشرايين التاجية    أدوية إنقاص الوزن قد تساعد في القضاء على السمنة لكن مخاطرها لا تزال قائمة    انفراد العربيّة عن غيرها من لغاتٍ حيّة    السيسي: الاعتداءات تهدد وحدة وسيادة سورية    التجارة تضبط 6 أطنان مواد غذائية منتهية الصلاحية بمستودع في جدة    وزير الدفاع يستقبل نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع الأسترالي    د. هلا التويجري خلال الحوار السعودي- الأوروبي: المملكة عززت حقوق الإنسان تجسيداً لرؤيتها 2030    رئيس الوزراء العراقي يغادر العُلا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على هامش معارض الكتب . بيع المعرفة ومصادرة نشرها
نشر في الحياة يوم 25 - 02 - 2008

تشهد معارض الكتب التي تقيمها الدول العربية سنويا مصادرات لانواع متعددة من الكتب وتمنع بالتالي توزيعها ومنع عرضها، كان آخرهاما شهده معرض القاهرة للكتاب من مصادرات خلال الشهر الماضي.
تتناول الكتب المصادرة مؤلفات تتصل بالتراث العربي الاسلامي، وهي كتب كانت قد صدرت في قرون سابقة تعيد بعض دور النشر طباعتها، كما تتناول كتبا تناقش مسائل تتصل بالتراث الديني مخضعة اياه الى تمحيص علمي وتاريخي، اما النوع الثالث فيتصل بكتب ادبية، قصصا ورويات ونقد. سبق لهذه الانواع من الكتب ان عرضت في سنوات ماضية وفي نفس البلدان من دون ان يتعرض قسم كبير منها الى المنع او المصادرة.
تقوم الحجة في المصادرة ان هذه الكتب تلعب دورا سلبيا في المس بالقضايا الدينية وتلحق الاذى بالاخلاق العامة للجمهور العربي. فما الحقيقي والشكلي في الحجج المقذوفة في وجه المؤلف ودار النشر؟، وما دلالة هذه الظاهرة واستفحالها في العالم العربي خلال السنوات الاخيرة؟.
تتخذ قرار المنع والمصادرة في الغالب السلطة السياسية، لكن قرارها يأتي دائما استجابة لفتوى من المؤسسة الدينية التي تصدر رأيها في الكتاب، احيانا كثيرة بناء على شائعة حوله او من دون اخضاعه للقراءة من قبل لجنة علمية صاحبة اختصاص في الموضوع.
تعبر الظاهرة عن المستوى الكبير من النفوذ الذي باتت المؤسسة الدينية تلعبه من دون ان يكون لها الحق القانوني في التشريع واتخاذ القرار.
لكن استجابة المؤسسة السياسية لفتاوى رجال الدين يعود في جوهره الى تواطؤ بين السلطتين، حيث تقوم المؤسسة الدينية بتقديم المشروعية للسلطة السياسية وتسويغ قراراتها العامة، مقابل دور للمؤسسة الدينية متسلطا على حرية الفكر والتعبير وفرض قيود على كل ماتراه هذه المؤسسة مناقضا لتوجهاتها.
يحتاج منطق المصادرة الى نقاش يتجاوز القرار الاداري. تقوم حجة قرار المصادرة على الاضرار التي يلحقها الكتاب بالجمهور العام. في زمن الثورة التكنولوجية واجتياح قطاع الاتصالات وعلى الاخص منه التلفزيون والانترنت التي جعلت من العالم"قرية صغيرة"واقتحمت خصوصيات الانسان نفسه، في هذا الزمن ليس مبالغة ان الكتاب يلعب دورا صغيرا جدا في ثقافة الجمهور الذي باتت ثقافته تقوم على ما تقدمه الفضائيات والانترنت من معلومات وبرامج لا سيطرة عليها. تقدم هذه الوسائل من البرامج الاباحية المسيئة الى الاخلاق بما لا يقاس من مواد بعد ان بات هذا النوع من البرامج ذا مردود مالي هائل.
كما تقدم قنوات دينية مواد تتصل بالنقاش حول الدين والتراث وتبث من التحريض الطائفي والدعوة الى التطرف حجما هائلا من المواد يتسبب في تكوين اجيال تتغذى منها الحركات الاصولية والمتطرفة. مما يعني ان الخطورة لا تتاتى من هذه الكتب التي لا يزيد قراؤها في احسن الاحوال على بضعة آلاف، فيما يخضع الملايين من ابناء الشعب العربي الى برامج تلفزيونية تمارس اقصى الاباحية والتحريض السياسي والديني والتخلف الفكري.
من المعروف ان الحجر على اية مادة ثقافية او فكرية بات من شبه المستحيلات في زمن الانترنت. واذا كانت ظاهرة حجب المواد الثقافية قد باتت من التاريخ القديم في المجتمعات المتقدمة، حيث يمكن الاطلاع على اي مادة علمية او ثقافية مهما كان نوعها، فان العالم العربي ما يزال يقف في صفوف متأخرة في هذا المجال حيث ان نسبة مستخدمي الانترنت لا تتجاوز 2 في المئة من مجمل سكانه، مما يعني ان حجب المادة الثقافية في العالم العربي ما تزال فاعلة في منع الانسان العربي من كسر حاجز القمع هذا على غرار ما يمكن للمواطن في المجتمعات الغربية ان يقوم به.
وصحيح ان منع كتاب او مصادرته تحمل على الفضولية في الحصول عليه ضمن منطق"كل محجوب مرغوب"، كما قد تعطي الكاتب شهرة نسبية في التعريف به ولو من باب السلبية، الا ان آثار المنع تظل عميقة في الجروح التي تتركها.
يؤثر المنع والمصادرة سلبا على الكاتب ويصل به الى الاحباط. يعاني الكاتب العربي في الاصل من قلة القارئين والمقتنين للكتب في ظل التراجع الشامل الثقافي والاجتماعي والاقتصادي حيث بات تأمين ثمن الكتاب عزيز المنال.
ان ما يعطي الكاتب حيوية ونشاطا وقدرة على العطاء يكمن في ما يلاقيه من قراءة للمواد التي ينشرها ودخولها اوسع الاوساط. لذا تلعب المصادرة دورا مؤثرا في السلبية لا يعوض عنه ان الكاتب كسب شهرة لكتابه عبر منعه من التداول.
اما الاثر السلبي الاخر على الكاتب فيكمن في اضطراره الى ممارسة نوع من الرقابة الذاتية على افكاره وكتاباته منعا لتعرضها الى الاحتجاب القسري. تؤثر الرقابة الذاتية على الابداع الفكري وتحجر على موضوعات كثيرة يرغب الكاتب في التعبير عنها، وقد تسبب هذه الرقابة من الاذى الداخلي للكاتب اكثر بما لايقاس مما تسببه رقابة السلطتين السياسية والدينية المادية والمباشرة.
على رغم اقرار مجمل البلدان العربية للمواثيق الدولية التي تنص على حرية الرأي والتعبير والاعلام وتدعو الى حمايتها، فان ممارسة السلطات الحاكمة في العالم العربي تذهب في منحى آخر يقوم بشكل واسع على وضع التشريعات والقوانين المناقضة لهذا الجانب الاساسي من الحريات والمتصل اتصالا مباشرا بحقوق الانسان.
لا تقرأ هذه الظاهرة المتزايدة الاتساع بمعزل عن الانهيار المتمادي الذي تشهده المجتمعات العربية في بناها وكياناتها، وهو انهيار يطال الحد الادنى من التحديث الذي استطاعت هذه المجتمعات ان تحققه في عقود سابقة. اضافة الى صعود بنى ما قبل الدولة من عصبيات قبلية وعشائرية وتصعيد للبنى الطوائفية، تتحول السلطات القائمة الى مزيد من الاستبداد والقمع، متعاونة هذه المرة مع بنى التخلف السائدة في منع نمو وانتشار ثقافة الديموقراطية وقواها.
تعاني المجتمعات العربية منذ سنوات من اطباق على المطالب الديموقراطية ومن زيادة وتيرة الاستبداد المادي والفكري، وما اللجوء الى تقييد حرية الرأي والتعبير والاعلام من خلال مصادرة النتاج الثقافي والفكري سوى واحد من ابرز التجليات لتسلط انظمة القمع السائدة في عالمنا العربي.
* كاتب لبناني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.