على رغم انحسار انتقال قوة العمل العربية إلى دول مجلس التعاون الخليجي وتشديد سياسة غلق الحدود أمام المهاجرين إلى الدول الأوروبية، إلا أن هجرة تيارات العمل العربية زادت نسبتها كثيراً في الأعوام الماضية خصوصاً هجرة الكفاءات و"العقول العربية". إذ أظهرت دراسة للجامعة العربية أن 70 ألفاً من مجموع 300 ألف متخرج من الجامعات العربية يهاجرون من بلدانهم سنوياً، في حين أن خسائر الدول العربية من هذه الهجرة تبلغ بحسب بعض التقديرات 1.57 بليون دولار سنوياً. وأشارت ورقة عمل قدمتها إدارة السياسات السكانية والهجرة في الجامعة العربية للاجتماع الأول لوزراء الهجرة العرب، إلى أن لهذه الهجرات ايجابيات وسلبيات من دون أن تحدد أيهما يطغى على الآخر. فبلدان منظمة التعاون الاقتصادي للتنمية "أو. سي. إي. دي." تستضيف مليون مهاجر عربي من الحاصلين على شهادات جامعية عليا، في حين يهاجر خمسة آلاف طبيب سنوياً إلى أوروبا. وتقول الورقة إن العمالة العربية المهاجرة تتوزع مناصفة تقريباً بين دول مجلس التعاون الخليجي وبين بلدان أوروبا خصوصاً فرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وهولندا وأيضا الولاياتالمتحدة وكندا اللتين تتميز الهجرة إليهما بارتفاع المستوى التعليمي بين أفرادها مقارنة بالهجرات العربية إلى الدول الأخرى. وأضافت ورقة العمل أن نسبة المهاجرين العرب الذين يقصدون دول مجلس التعاون الخليجي انخفضت من 72 في المئة عام 1975 إلى 31 في المئة عام 1990 ثم إلى ما بين 25 في المئة و29 في المئة عام 2002، موضحة أن هذا التراجع كان لمصلحة العمالة الآسيوية التي أصبحت تشكل نحو ثلثي العمالة الوافدة إلى دول الخليج. ونبهت إلى ارتفاع نسب المتعلمين بين المهاجرين العرب الجدد وتنامي هجرة العقول، إذ ارتفعت على سبيل المثال نسبة المهاجرين من الحاصلين على الثانوية العامة في المغرب من 20.2 في المئة ما بين عامي 1970 إلى 1984 لتصل إلى 44.1 في المئة، فيما ارتفعت نسبة الجامعيين خلال الفترة نفسها من 5.9 في المئة إلى 15.8 في المئة، كما تنامت هجرة الكفاءات المتخصصة من ذوي التحصيل العلمي المرتفع. غير أن ورقة العمل لمست أمراً إيجابياً لهذه الهجرات مثل زيادة حجم تحويلات المهاجرين العرب وتأثير ذلك الأمر إيجابياً، إذ شكلت تحويلات المهاجرين إلى مواطنهم الأصلية أحد أهم مدخلات تحسين العجز في النقد الأجنبي ومعالجة الخلل في موازين المدفوعات، كما أسهمت تلك التحويلات في تمويل بعض مشاريع التنمية في الدول العربية المرسلة للهجرة، مشيرة إلى أن حجم هذه التحويلات لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعادل 3.8 مرة حجم المساعدات الحكومية التي تتلقاها هذه الدول. غير أن الأمر ليس كله طيباً، فهجرة العمالة العربية تتسبب في خسائر مركبة نتيجة هدر ما أنفق على إعداد هذه العمالة تعليمياً وصحياً من استثمارات، وهدر فرص الاستفادة منها في التنمية الوطنية والاقليمية وارتفاع كلفة الكفاءات الأجنبية التي تحل محلها في المشاريع التنموية. وقدّر بعض الدراسات، بحسب ورقة العمل، خسائر الوطن العربي بسبب هجرة الكفاءات بنحو 1.57 بليون دولار سنوياً. كما أن الورقة لفتت إلى أنه في الوقت الذي تزيد فيه هجرة الكفاءات العربية، فإن هناك انحساراً متزايداً في الطلب الخارجي على العمالة غير الماهرة، ومن ثم تراكم أعدادها مما يؤدي إلى تفاقم البطالة في الدول العربية وما يترتب عليها من تهميش اقتصادي وتزايد معدلات الفقر.