درجت الصحافة العربية على تسمية الانتخابات التي تجري في الولاياتالمتحدة هذه الأيام ب "الانتخابات التمهيدية". وهي إلى حد ما تمهيدية، ولكنها أكثر من ذلك. ففي أميركا عُرْف سياسي يتم عن طريقه اختيار المرشحين لخوض الانتخابات الحقيقية، في وقت معين في المستقبل، قد يتراوح بين أسابيع وبضعة عشر شهراً، وفقاً لأهمية المنصب المراد الفوز به. وقد تكون الولاياتالمتحدة الدولة الوحيدة بين بقية الديموقراطيات الغربية وغير الغربية كالهند التي لا تميز بين ساستها ومرشحي أهم أحزابها أية فوارق أيديولوجية حقيقية، كالفوارق بين الأحزاب اليسارية والأحزاب اليمينية في أوروبا، على سبيل المثال. ويحدث كثيراً أن يغير الشخص المنتخب انتماءَه من أحد الحزبين إلى الآخر. ولذلك قد يكون المواطن الأميركي، في المتوسط، أقل مواطني العالم اهتماماً بالسياسة الخارجية. وتجري الترشيحات، من أجل اختيار المرشح لخوض الانتخابات الحقيقية، التي تكون في العادة بين ديموقراطيين وجمهوريين، رؤساء البلديات في المدن الكبيرة كافة، وكل حكام الولايات وكل أعضاء الكونغرس بمجلسيه، مجلس الشيوخ الذي يتكون من عضوين عن كل ولاية، ومجلس النواب أو الممثلين، الذي يمثل عدد السكان في منطقة من المناطق كحي من أحياء المدن الكبرى أو عن الولاية كافة إذا كانت قليلة السكان كولاية نورث داكوتا. وإذا كان عدد أعضاء مجلس الشيوخ ثابتاً عند 100 عضو فإن أعضاء مجلس الممثلين يتزايد بحسب تزايد عدد المواطنين. وقد تفقد إحدى الولايات نسبة من سكانها، ولذلك تفقد عدداً من ممثليها في الكونغرس ويزيد عدد ممثلي الولاية أو الولايات التي انتقل هؤلاء السكان إليها، كما حدث فعلاً بين ولاية نيويورك التي فقدت عدداً من ممثليها وولايات فلوريدا وتكساس وكاليفورنيا التي زاد عدد ممثلي كل منها. وإذا كان عدد أعضاء مجلس الشيوخ ولا يزال منذ فترة طويلة مئة عضو فإن أعضاء مجلس الممثلين يزيد حالياً على 400 عضو، وهو في تزايد مستمر ما دام عدد المواطنين الأميركيين يتزايد. ومنذ انتخابات 1984، صارت الانتخابات من أجل اختيار المرشحين للرئاسة أهم من مؤتمرات الحزبين الديموقراطي والجمهوري، حتى تحوّل المؤتمران اللذان يعقدهما كلا الحزبين كل أربع سنوات، إلى احتفالين خطابيين سياسيين تسويقيين للمرشحين. غير أن الانتخابات الرئاسية التمهيدية لا تجري بحسب قانون، وإنما وفقاً للإجراءات التي يختارها قادة الحزبين، كل على حدة، وقد تختلف قواعدها. إذ لا تشارك في هذه الانتخابات جميع الولايات، وإنما العدد الذي يختاره قادة كل حزب على حدة. مع أن انتخابات الرئاسة الفعلية في تشرين الثاني نوفمبر تشمل بالطبع جميع الولايات. ثم إن هناك ولايات تجري انتخاباتها التمهيدية مباشرة كالمعتاد. وولايات أخرى، تختار أعضاء يمثلون الحزب في مؤتمرات للأحياء أو البلدات الصغيرة. وأعضاء المؤتمرات يصوتون للمرشح للرئاسة. وليس هناك قانون يمنع أي شخص من ترشيح نفسه للرئاسة، غير أن التجربة أثبتت انه لم يفز احد بكرسي الرئاسة إن لم يتم اختياره من قبل حزب سياسي كبير. وهناك تغير كبير عن المألوف في انتخابات الترشيحات الأميركية الحالية، إذ أن تنافس امرأة ورجل من أصول أفريقية عن حزب رئيسي كالحزب الديموقراطي لم يحدث من قبل في تاريخ أقدم ديموقراطية غربية. ويتقارب البرنامج السياسي لكل من السناتور هيلاري كلينتون والسناتور باراك أوباما أكثر مما يتباعد. ولكن محاولة الأخير الفوز بترشيح الحزب الديموقراطي لخوض الانتخابات الفعلية في تشرين الثاني، خلقت ثورة حقيقية سيكون لها تأثير كبير في المستقبل، سواء فاز السناتور اوباما أو السناتور كلينتون بترشيح الحزب الديموقراطي. وما استطاع السناتور اوباما تحقيقه من نجاح في ولايات لا تمثل الأقليات من أصول افريقية فيها أكثر من 1 في المئة، أو لا وجود لها تماماً، كما في ولاية ايداهو التي فاز اوباما بتأييد 80 في المئة من ناخبيها الديموقراطيين. وقد فاز اوباما في كل الولايات التي خاض الانتخابات فيها، بدعم نحو ثلثي الناخبين، ممن لم يتجاوزوا الثلاثين من العمر، وأكثر من ذلك من بين الجامعيين وطلاب الجامعات، أياً كانت أصولهم الأثنية حتى في الولايات التي لم يكسبها، حين يضاف جميع الناخبين، لأن كبار السن من النساء البيض ومعظم المهاجرين من أميركا اللاتينية، صوّتوا لمصلحة السيدة كلينتون. ويقول الذين زادت أعمارهم على 60 عاماً من الأميركيين إن السناتور باراك اوباما يذكرهم بانتخابات 1960 التي فاز بها الديموقراطي جون كيندي بصعوبة بالغة، لأنه كان كاثوليكياً ولم يسبق أن فاز بالانتخابات الأميركية كاثوليكي من قبل. ومثل جون كينيدي فإن اوباما يدعو إلى تعزيز الوحدة الوطنية وتجاوز فوارق الأصل والمعتقد ومستوى الدخل ويعطي أملاً أكبر في مستقبل أفضل على المستويات كافة، خصوصاً بالنسبة الى صورة الحكومة الأميركية في بقية مناطق العالم. وانتخابات الترشيحات للرئاسة وغير الرئاسة قد تحدث في أي وقت. أما انتخابات حكام الولايات وأعضاء الكونغرس بمجلسيه والرؤساء فتتم دائماً في أول ثلثاء من تشرين الثاني. ومنذ انتخاب الرئيس فرانكلين روزفلت ثلاث مرات متتالية أصدر الكونغرس تشريعاً يمنع أي رئيس من تولي الرئاسة أكثر من مرتين. أي بحد أعلى ثماني سنوات. ولم يتكرر تولي الرئاسة لأب وابنه، إلا مرتين في تاريخ الولاياتالمتحدة. كانت المرة الأولى في أواخر القرن الثامن عشر اذ تم انتخاب جون أدامز، الرئيس الأميركي الثاني بعد جورج واشنطن، ثم ابنه كونزي أدامز الرئيس الرابع بعد توماس جيفرسون. وفي العصر الحديث تولى رئاسة الولاياتالمتحدة جورج بوش الرئيس الواحد والأربعون، وبعد انتهاء فترة رئاسة الرئيس بيل كلينتون، تولى الرئاسة جورج بوش الابن واصبح الرئيس الثالث والأربعين. ومع أن اثنين من رؤساء الولاياتالمتحدة ينتميان إلى أسرة واحدة في الأصل، وهما الرئيس ثيودور روزفلت الذي تولى الرئاسة الأميركية ما بين عامي 1901 و1909 والرئيس فرانكلين روزفلت الذي تولاها عام 1933 وتوفي في البيت الأبيض عام 1945 بعيد انتخابه للمرة الثالثة، فلا تربط بينهما في الحقيقة أية رابطة نسب قريبة، بل هما أبناء عمومة عن بُعد يفصلهما بضعة جدود، وينتمي كل منها إلى حزبين مختلفين، فالأول كان جمهورياً بينما الثاني ديموقراطي. والله من وراء القصد. * أكاديمي سعودي.