كان المسلمون يتجشمون المصاعب في الذهاب إلى الحج قبل عهد الدولة السعودية وقبل ظهور السيارات من خلال مختلف أنواع المصاعب ومخاطر الطرق في السفر من أقاصي الدنيا إلى بيت الله الحرام في كل عام، فمنهم من يسافر تحت ظلال الشراع في البحر أوعلى ظهور الإبل في البر، ومنهم من يختار المشي على الأقدام تقرباً بتعبه إلى الله. وكان السفر على تلك الحال، وما تعتريه من صعوبات ومشاق ومخاطر قطاع الطرق، يستدعي أن تصحبه زعامة سياسية دينية هي إمارة الركب، ويستدعي كذلك أن تسير قوافله الضخمة على طرق معينة معروفة تتسع لها وتتوافر على مساراتها المنازل والاستراحات والخانات التي تستوعب تلك الآلاف المؤلفة من الناس مع أمتعتهم ودوابهم. وكانت مجموعات المرتحلين تعرف بالقوافل. والى جانب قوافل الحجاج، سارت على هذه الطرق القوافل المحملة بالبضائع والتجارة، فكانت طرق الجزيرة وموانئها جزءا من شبكة الطرق التجارية الدولية طوال فترات التاريخ الإسلامي. وبعد أن وحد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود أطراف البلاد المترامية تحت مسمى المملكة العربية السعودية، التفت إلى الاهتمام بحجاج بيت الله الحرام والعناية بهم وتأمين طرق الحج، فأصبح الحاج في أمن وأمان واطمئنان فور أن تطأ أقدامه أرض المملكة عبر الطرق البرية المؤدية إلى مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة والمشاعر المقدسة. ومع تطور وسائل النقل بدخول السيارات والطائرات، استمرت القوافل والسيارات في نقل الحجاج جنباً إلى جنب، من دون حدوث ما يعكر صفو المرتحلين بالوسيلتين معاً. وأعلنت الحكومة السعودية أن الحجاج أحرار في اختيار الطريقة التي يريدون السفر بها، واهتمت بوضع القوانين والتعليمات التي تكفل راحة المسافرين بواسطة القوافل. وبعد الفترة الانتقالية التي جمعت بين السيارات والدواب معاً، بدأت السيارات تنافس الدواب التي أخذت تختفي مفسحة المجال لسيادة النقل بالسيارات على ما عداه من وسائل النقل. وكانت طرق السيارات الممهدة في نجد قليلة قبل العام 1343ه، وفي العام 1345ه - 1926م أمر الملك عبدالعزيز بإصلاح الطريق بين المدينةالمنورةوالرياض مروراً بالقصيم، واهتم بتطوير الطرق البرية في منطقتي مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة لتسهيل تنقل ضيوف الرحمن بين الأماكن المقدسة. وكانت البداية بإصلاح الطرق بين مكةوجدة وتعبيدها. وبدأت السيارات في التنقل بين مكةوجدة حاملة البضائع والمسافرين، وأولت حكومة المملكة العربية السعودية عنايتها بجميع الطرق التي تربط بين مكةالمكرمةوالمدينةالمنورةوجدة والمشاعر المقدسة ومن أبرزها طريق مكةالمكرمة - منى - عرفات الذي بدأت عمليات إصلاحه وتعبيده العام 1346ه - 1927م. كما اهتم الملك عبدالعزيز بأمن الطرق وحمايتها وسهولة الانتقال في أرجائها بعدما جعل إصلاح الطرق وتعبيدها غاية أساسية، فمنع جميع أشكال الأتاوات التي كانت تأخذها القبائل والعشائر من الحجاج لقاء المرور في أرضهم، وضرب بيد من حديد على أيدي اللصوص الذين كانوا يقطعون السابلة حيث كانوا، وأصدر مراسيم وتعاميم حكومية إلى أمراء المناطق تحدد مسارات الطرق، وتنظم اتجاهاتها، وتعالج الأضرار المترتبة عليها، وشدد على الأمراء كل في ناحيته، بعدم التهاون في حق من يقطع السبيل، أو يخل بأمن الطرق، حتى اختفت تماماً أخطار قطع الطرق، وأخطار الإقامة في الأماكن المقدسة، وحل محلها الأمن والسلامة والراحة والطمأنينة. وسار من بعده أبناؤه البررة ونهجوا نهجه في تأمين أفضل السبل لراحة الحجاج فواصلوا رصد الميزانيات الواحدة تلو الأخرى لتطوير الطرق المؤدية إلى الأماكن المقدسة، والمطارات لخدمة الحجاج القادمين عبر الجو، والموانئ البحرية للقادمين عبر البحر. وتم ربط جميع المدن الواقعة على حدود المملكة مع جيرانها بمكةالمكرمةوالمدينةالمنورة بشبكة متكاملة من الطرق الفسيحة والمزدوجة يتوافر بها جميع الخدمات التي يحتاجها المسافر، فأصبحت رحلة الحاج منذ دخوله عبر المنافذ البرية للمملكة لا تستغرق سوى ساعات ليصل إلى مكةالمكرمة أو المدينةالمنورة. كما ربطت المدينتين المقدستين بطريق بري مزدوج يسهل انتقال الحاج بينهما في بضع ساعات، بعدما كانت الرحلة بينهما تأخذ أياما طويلة محفوفة بالمخاطر. كما تم ربط جدةبمكةالمكرمة بطريق سريع لا يأخذ فيه الحاج سوى ساعة أو أقل منذ خروجه من مطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة إلى أن يصل مكةالمكرمة. وربطت المشاعر المقدسة ببعضها البعض ومع مكةالمكرمة بشبكة طرق متطورة وأنفاق حديثة تم شقها تحت الجبال في منى للتسهيل على الحجاج أثناء تنقلاتهم بين المشاعر المقدسة. وعرفت طرق الحج الرئيسة إلى مكةالمكرمة قديما، واتسع ذكرها وذاع صيتها وتحدث عنها الجغرافيون المسلمون، محددين محطاتها، والمسافات الواقعة بين كل محطة وأخرى، مع ذكر مياهها ونوعية تلك المياه من حيث العذوبة والملوحة، وغير ذلك مما حفظته لنا أشعارهم وأخبارهم. ولعل أشهر هذه الطرق تلك التي تصل إلى مكةالمكرمة من العراق والشام ومصر واليمن. واشتهر العراق بطريقين الى الحج، أحدهما ينسب إلى الكوفة في الداخل، والآخر ينسب إلى البصرة على الساحل، والأول أشهر من الثاني لأنه طريق القافلة السلطانية التي كانت تنطلق من بغداد، عاصمة الخلافة العباسية وعاصمة العراق حتى اليوم، وهو الذي عرف باسم درب زبيدة، نسبة إلى زبيدة بنت جعفر، زوجة الخليفة هارون الرشيد وأم الخليفة الأمين، وصاحبة المآثر العظيمة على هذا الطريق. أما الطريق المصري فهو طريق لأهل مصر ولمن يمر بها من أهل المغرب والأندلس وسائر الأقطار الأفريقية التي تسلك الطريق عبر مصر. وكان أهل اليمن يسيرون عبر طرق عدة إلى مكة أهمها الطريق الساحلي، والطريق الداخلي أو الأوسط، والطريق الأعلى، ولكل من هذه الطرق مساراته ومحطاته، ومشاقه التي عانى منها الحجاج أزمنة طويلة. نشر في العدد: 16682 ت.م: 06-12-2008 ص: 11 ط: الرياض