روى مايكل دوفي ومارك كوكي، في"تايم"الأميركية، منتصف شباط فبراير، إعداد الجنرالين ديفيد بترايوس وريموند أوديرنو خطة زيادة القوات الأميركية بالعراق، ومحاصرة مقاتلي"القاعدة". واستعان قائد القوات الأميركية ونائبه بنهج صدام حسين الاستخباري والأمني. ففي وثيقة وقعت عليها إحدى الدوريات الأميركية تبين أن صدام حسين"أقام حزاماً معقداً حول بغداد على شكل دوائر مركزية، ونشر الحرس الجمهوري في عدد من المدن المحيطة بالعاصمة، وجمع قوات الحرس الخاصة في بغداد نفسها". وحين وصلت القوات الإضافية، شن بترايوس وأوديرنو سلسلة منسقة ومتزامنة من الهجمات القوية على"القاعدة"ومعاقلها في أنحاء متفرقة من العراق، وفي القلب البغدادي، والمدن المحيطة بها، ومدن العمق العراقي، شمالاً وجنوباً. وفي أثناء العمليات تعاظم عدد القتلى الأميركيين، وبلغ ذروة في منتصف 2007. ولم تؤت العمليات ثمارها إلا في الصيف. فأنشأت القوات الأميركية قواعد صغيرة في قلب أحياء العاصمة. ونظير 3 جنود في المدينة نشر القائدان جنديين في مدن حزام بغداد. وعندما لجأ زعماء عشائر سنية في أنحاء العراق الى ضباط القوات الأميركية، وطلبوا حمايتهم من جماعات"القاعدة"، استجاب الضباط، ورحبوا واغتنموا الفرصة. وتسعى الحكومة الأميركية في توظيف رجال العشائر السنّة في الأجهزة الحكومية، والعدول عن قرار"اجتثاث البعث"، بينما تنسحب من العراق قوات أميركية كانت تخدم فيه، بعيداً من الأضواء. ولا تصدق افتتاحية"فايننشال تايمز"مزاعم نوري المالكي في البصرة، حيث تدور معارك بين الجيش وميليشيا"جيش المهدي"، الى اشتباكات بين أطراف شيعية أخرى تتنازع السيطرة على بوابة النفط. وعلى هذا، فالعمليات العسكرية تدور بين أحزاب الدعوة المالكي والمجلس الإسلامي الأعلى الحكيم والفضيلة، و"جيش المهدي"مقتدى الصدر. فمعركة البصرة أهلية وحزبية معاً. وفي وداع الجنرال ديفيد بيترايوس، قائد قوات الائتلاف والأميركية أولاً بالعراق، واستقبال خليفته، أوديرنو، في أيلول سبتمبر، مدح ثلاثة باحثين، في"فورين أفيرز"الأميركية السلف، الذاهب الى أفغانستان وباكستان وآسيا الوسطى، والخلف. ويعزو الباحثون الثلاثة الاستقرار الأمني النسبي والهش، على قول الجنرالين، الى انعطافين، عسكري وسياسي. فبلغ عديد القوات الوطنية العراقية 230 ألفاً. والعودة عن"اجتثاث البعث"زادت انخراط الشباب السنّة في القوات المسلحة وقوات الأمن، وقيدت تجاوزات بعض فرقها المذهبية وانحيازها. ومن وجه آخر"بدأت عجلة السياسة العراقية تتحرك". فتضاءل نفوذ الكتل الحزبية الشيعية على وقع تنامي نفوذ قوى الأمن وسلطتها. ويريد أهل السنّة في العراق توسيع مشاركتهم السياسية، والعودة عن مقاطعتهم الانتخابات القريبة الى مجالس المحافظات، وأخذ حصتهم من ثروات بلدهم، والإسهام في التخطيط لمستقبله الاستراتيجي والأمني، والمعاهدتان الأمنية والاستراتيجية ركن فيه. ودمج"أبناء العراق"في بنية الدولة، بعد إقرار المعاهدة المزدوجة، جزء من عملية إخراج العراق من مرتبة"دولة ضعيفة"الى دولة عادية. نشر في العدد: 16707 ت.م: 31-12-2008 ص: 29 ط: الرياض