القدس"عاصمة ثقافية عربية"للعام 2009 على رغم عجلة التهويد المتحركة التي قضمت أراضي القدس وأحياءها وبيوتها، وهجّرت سكانها، وتكاد تأتي على معالمها الفلسطينية العربية الإسلامية والمسيحية. الفلسطينيون والعرب يخططون للاحتفال بالقدس عاصمة لثقافتهم، فيما تقترب الدولة العبرية من استكمال بناء الجدار الذي يحيط بالقدس من جميع نواحيها، مانعة أي فلسطيني أو فلسطينية من دخول القدس بلا تصريح، حتى ولو كان رئيس الدولة الفلسطينية المنتخب! ناهيك بالحرب الشرسة التي تخوضها الآن ضدّ قطاع غزة مرتكبة مجزرة تلو أخرى. معضلة كبرى تواجه الفلسطينيين بعد أن تورطوا مسمين القدس مكاناً لانعقاد فعاليات فنية وثقافية عام 2009. على أثر القرار الذي اتخذه اجتماع وزراء الثقافة العرب عام 2006 في العاصمة العمانية مسقط. والموضوع اقترحه عطاالله أبو السبح، وزير الثقافة في حكومة حماس التي رحلت وحلت محلها حكومة وحدة وطنية ضمت وزراء من حركتي حماس وفتح، لم يكن أبو السبح وزيراً فيها لا للثقافة ولا لغيرها. ومن المثير للأسى أن حركة حماس قد قامت بانقلاب في غزة واستولت على القطاع وطردت رموز فتح أو سجنتهم، فأصبح هناك حكومتان واحدة لتسيير الأعمال في الضفة الغربية وأخرى في غزة شكلتها حماس. وقد انعكس هذا الانقسام من السياسة على الثقافة فخرج قطاع عزة، الذي تشن عليه اسرائيل حرباً شاملة، خارج موضوع القدس عاصمة ثقافية عربية. وهكذا ستكون مدن الضفة الغربية وحدها مسرحاً للاحتفال بالقدس عاصمة ثقافية. ملابسات أخرى شابت الاحتفالية التي يفترض أن تبدأ في رام الله وعواصم ومدن عربية أخرى في منتصف الشهر المقبل. فقد تشكلت في النصف الثاني من عام 2007 لجنة جديدة تجاوزت وزير الثقافة الفلسطيني في حينه ابراهيم أبراش، الذي استقال بعدها من منصبه الوزاري، وسميت"اللجنة الوطنية للتحضير لاحتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية للعام 2009"وذلك استناداً الى مرسوم رئاسي عينت بموجبه ابنة القدس وممثلتها في المجلس التشريعي الفلسطيني حنان عشراوي رئيسة للجنة، وعضوية عدد من الشخصيات السياسية والثقافية من بينهم الشاعر محمود درويش. لكن درويش سرعان ما استقال لعدم جدية العمل في اللجنة، وعدم وجود رؤية حقيقية لإنجاح هذه الاحتفالية الشديدة الأهمية. واعترضت مؤسسات وشخصيات ثقافية فلسطينية على استبعادها من عضوية اللجنة، ما يهدد بفشل هذه الاحتفالية سواء في بعض مواقع مدينة القدس الواقعة على أطرافها كبلدة أبو ديس التي جرى اقتراحها أكثر من مرة لتكون عاصمة للدولة الفلسطينية المقبلة، أو في مدن الضفة الغربية الأخرى! لن تقتصر الاحتفالية بالطبع على الضفة الغربية ومدينة القدس، على رغم الاعتراضات الكثيرة التي برزت حيال استبعاد فلسطينيي أراضي 1948، وكذلك فلسطينيي الشتات الذين يزيد عددهم على أهالي الضفة الغربيةوغزة وأراضي 48 مجتمعين. هناك أيضاً لجنة اردنية موسعة، تضم ممثلين عن وزارة الثقافة الأردنية، التي تعمل بالتعاون مع وزارة الثقافة الفلسطينية وعلى رأسها السيدة تهاني أبو دقة، وتضم كذلك ممثلين عن وزارات ومؤسسات أردنية رسمية وشعبية، اضافة الى شخصيات ثقافية وسياسية اردنية وفلسطينية الأصل، من بينها عدد من أبناء مدينة القدس الذين هجرتهم اسرائيل بعد عام 1967. وهناك لجان عربية، اماراتية ولبنانية وتونسية وغيرها، تقوم بالإعداد لاحتفالات موازية، وندوات ومعارض حول القدس في العواصم والمدن العربية المختلفة. ثمة اجتماعات واستعدادات تقام منذ بدايات هذا العام لإنجاح هذه التظاهرة الكبيرة، والتي لا تشبه أي تظاهرة لعاصمة ثقافية عربية خلال الأعوام الماضية. فهذه الاحتفالية ليست مجرد تظاهرة ثقافية، يقصد منه تنشيط الفعل الثقافي في هذه العاصمة العربية أو تلك. ليست احتفالية القدس رغبة في ابراز دورها في الحياة الثقافية العربية الراهنة. التظاهرة سياسية الطابع، ويقصد منها التشديد على فلسطينيةالقدس وعروبتها، وضرورة الدفاع عنها بكل الوسائل، ومن ضمنها الفعل الثقافي والكتابة والإعلام. في العام 2007 قامت المؤسسة الرسمية الإسرائيلية، وكذلك المؤسسات الثقافية والكتاب والمثقفون والفنانون الإسرائيليون بالاحتفال عاماً كاملاً بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل بمناسبة مرور أربعين عاماً على احتلال اسرائيل للقدس. المسارح ومعارض الفن التشكيلي ودور السينما وقاعات المحاضرات، في القدس، وفي المدن والمستوطنات الإسرائيلية، كانت تحتفل بالقدس وميراثها الثقافي اليهودي، وذلك في الوقت الذي كانت المؤسسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية تعمل محمومة على تهويد القدس مكاناً وروحاً ومعنى وثقافة. فماذا فعل العرب والفلسطينيون لمنع الكارثة؟ كان بالإمكان اطلاق حملة اعلامية عربية في العواصم العربية المؤثرة لتوضيح مخالفة اسرائيل للقانون الدولي وعملها المستمر منذ احتلال 1967 على تهويد القدس وطرد أهلها الفلسطينيين منها، واستيلائها على الأراضي الفلسطينية في القدس وبناء مستوطنات عليها. كان بإمكان اللجان المختلفة تكليف متخصصين في تاريخ القدس ومعمارها وأهميتها كعاصمة للديانات السماوية الثلاث لتأليف كتب بعدد من اللغات الأساسية ونشرها عن كبريات دور النشر العالمية. لكن ذلك لم يحصل. ثمة اعداد متسرع وعجول وغير منظم، واستبعاد للمتخصصين وأهل العلم والمعرفة، وتعيين للجان بيروقراطية ستذهب لاحتفال القدس عاصمة للثقافة العربية هذا العام الى غياهب النسيان. هكذا نحن في هذا الزمان لا نملك رسالة حضارية ولا نفكر كيف نقنع العالم بعدالة قضايانا، وعلى رأسها عدالة قضية القدس مركز حياة المسيحيين والمسلمين لا في فلسطين وحدها بل في كل أرجاء العالمين العربي والإسلامي.