اتصلت هاتفياً بالدكتور محمد البرادعي وزوجته السيدة عايدة لأهنئهما بعيد الأضحى المبارك، وانتهيت بحديث طويل مع رئيس وكالة الطاقة الذرية الدولية عن ايران وسورية ومقدار الحقيقة أو الخيال في الحديث عن مشاريعهما النووية. هو قال إن الوكالة لا تزال تنتظر تفسيرات كثيرة من سورية، ولا تزال تريد أن يفحص مفتشوها مواقع عدة. إلا أنه أضاف أنه لا يستطيع أن يحرم سورية حقها في عضوية النادي النووي، فمثل هذا القرار يتبع ثبوت عدم التزام سورية الاتفاقات المعقودة والشروط القائمة. وفهمتُ من الدكتور البرادعي أن الوكالة تبحث مع سورية في مشاريع كثيرة ضمن دراسة الجدوى الفنية، وإذا ثبت أن هناك مشروعاً مناسباً فهو ينفذ تحت إشراف الوكالة. إلا أنه أضاف أنه لا يوجد شيء محدد بعد، أو ما يستحق تقديم طلب رسمي في شأنه. وأصرّ الدكتور البرادعي على حاجة سورية الى تبرئة نفسها من التهم المتداولة بعد الغارة الإسرائيلية. وهو شكا من أن اسرائيل ضربت على الشبهة، بدل أن تعطي والولاياتالمتحدة الوكالة المعلومات المتوافرة لها لتتأكد الوكالة من صحة المعلومات أو زيفها. اسرائيل ضربت المفاعل النووي العراقي سنة 1982 ومجلس الوكالة قرر بعد ذلك معاقبتها بوقف التعاون الفني معها. هذه المرة لم يحدث شيء، وأقول من عندي إن اسرائيل تتصرف وكأنها خارج نطاق القانون الدولي، بحماية أميركية، والمطلوب موقف عربي مشترك ليس دفاعاً عن سورية أو غيرها وإنما لمنع استهداف أي دولة عربية أخرى في المستقبل. سألت الدكتور البرادعي عن ايران، وقال إنهم يتصرفون ضمن نطاق القوانين، ويسمحون للوكالة بفحص المواد التي يستوردونها، ويبدو أنهم بانتظار الإدارة الجديدة في واشنطن، ويحاولون تهدئة الوضع حتى رحيل إدارة بوش. طبعاً الموضوع ليس مجرد برنامج نووي، حقيقي أو وهمي، فهناك عناصر كثيرة، أهمها الأمن الاقليمي، وسورية تنتظر استئناف المفاوضات غير المباشرة مع اسرائيل بعد قيام حكومة جديدة فيها، مع احتمال أن تصبح المفاوضات مباشرة. أما إيران فلها أطماع في المنطقة وتبحث عن دور اقليمي، وهي إذا اتفقت مع إدارة باراك أوباما فسيكون الاتفاق على حساب العرب، غير أنني لا أنتظر اتفاقاً، فالمحافظون الجدد وأركان اللوبي اليهودي لا يزالون يطلبون الحرب، ولهم أنصار داخل الإدارة الجديدة، وهم يراهنون على فشل المفاوضات بسرعة ليعود الحديث عن ضربة عسكرية. أكتب كمواطن عربي مهتم، والوضع هو التالي: أولاً، الحل الأفضل هو أن يكون الشرق الأوسط مجرداً من أسلحة الدمار الشامل، وهذا هو الموقف الدولي المعلن. ثانياً، إذا بقيت اسرائيل دولة وحيدة في الشرق الأوسط بترسانة نووية، فإن واجب كل دولة في الشرق الأوسط أن تسعى الى امتلاك سلاح نووي لحماية نفسها. ثالثاً، وعطفاً على ما سبق، أؤيد ايران في امتلاك سلاح نووي طالما أن اسرائيل تملكه، وأرجو أن تسعى كل دولة عربية، صغيرة أو كبيرة، الى امتلاك سلاح نووي، وقد كتبت مرة عن أملي بأن تشتري المملكة العربية السعودية سراً قنابل نووية من باكستان. رابعاً، لإيران أطماع في الخليج يجب ألا تغيب عن ذهن الأطراف العربية، وإيران لا تزال تحتل ثلاث جزر إماراتية، ولعله لم يبقَ من آثار الشاه سوى احتلال طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، فإمبراطورية الشاه والجمهورية الإسلامية لا تلتقيان إلا في أطماعهما في الخليج. خامساً، إذا استطاع العرب تجاوز أي خلافات ثنائية، ليبنوا موقفاً موحداً، فلا شيء عندهم يخشونه من ايران لأنهم أقوى وأكثر عدداً وأكبر امكانات. سادساً، جميع أفراد عصابة الحرب التي دفعت باتجاه حرب على العراق قتلت مليون مسلم حتى الآن، هي التي تخطط لضربة عسكرية ضد ايران. وربما عدت قريباً بموضوع محدد يضم أسماء الأفراد ومراكز البحث التي لعبت دوراً في الحرب على العراق، ولا تزال تحاول ضد ايران. هؤلاء المتطرفون العنصريون لا يعرفون الفارق بين سنّي وشيعي، أو عربي وكردي، فقضيتهم الوحيدة هي اسرائيل والهيمنة على الشرق الأوسط وسرقة نفطه. الدكتور محمد البرادعي لا يستطيع أن يجهر بآرائه بسبب منصبه الرسمي، غير أنني أقول إن العرب لا يستطيعون البقاء متفرجين، فهم يجلسون على الجدار وقضاياهم بأيدي غيرهم، فاللاعبون الأقوياء في الشرق الأوسط اليوم هم تركياوإيران واسرائيل، ثم الولاياتالمتحدة من الخارج. وأصرّ على أن العرب قادرون لو شاؤوا، ولعلهم"يشربون حليب السباع"ولو مرة واحدة في العمر. نشر في العدد: 16686 ت.م: 10-12-2008 ص: الأخيرة ط: الرياض