لا يكاد الاهتمام بالبرنامج النووي الإيراني يهدأ يوماً حتى يعود فيشتد في اليوم التالي، وعادة ما تكون إسرائيل وراء الجدال المستمر، أو الولاياتالمتحدة لا فارق، وعادة ما تخلو الضجة المفتعلة من معلومات جديدة. الحل المثالي في الشرق الأوسط هو أن تكون المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، بما فيها الأسلحة النووية. غير ان الحل المثالي غير ممكن طالما ان إسرائيل تملك ترسانة نووية وصواريخ وتنكر وجودها، وهي بالتالي لن تتخلى عنها. إسرائيل من الوقاحة انها لم توقع المعاهدة الدولية لمنع انتشار الأسلحة النووية، ومع ذلك فهي عضو في لجنة الأممالمتحدة لمتابعة الأسلحة النووية عند الآخرين. في مثل هذا الوضع أرجو أن تكون إيران فعلاً تعمل لامتلاك قنبلة نووية، لا مجرد برنامج نووي سلمي، وأدعو كل دولة عربية إلى السعي لامتلاك سلاح نووي لمواجهة إسرائيل... وإيران. طبعاً انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط خيار سيئ، إلا ان بقاء إسرائيل وحدها دولة نووية أسوأ منه، فهي دولة عسكرية توسعية تحتل أراضي بقوة السلاح وتنتهك قرارات الأممالمتحدة كل يوم. وفي حين تحميها الولاياتالمتحدة بحوالى 40 فيتو حتى الآن، فإن هذا لم يمنع أن تكون إسرائيل هدف أكبر مجموعة من قرارات الأممالمتحدة ضد بلد واحد. وطبعاً هذا لا يضير جون بولتون السفير الأميركي السابق لدى الأممالمتحدة، فهو كتب محرضاً على إيران انتصاراً لبلده الحقيقي إسرائيل. مصر والمملكة العربية السعودية أعلنتا مرة بعد مرة وجوب إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، وهذا هو موقف الدول العربية كلها. وبما ان إسرائيل، بحماية الولاياتالمتحدة، تبقى وحدها مالكة للأسلحة النووية، فقد أعلنت مصر والسعودية، وكذلك دول الخليج الصغيرة وبعض الدول العربية الأخرى، عزمها على بدء برنامج نووي سلمي. البرنامج السلمي خطوة أولى، والدول المعنية يجب ان تنطلق منه إلى سلاح نووي، خصوصاً إذا تبعت إيران فعلاً إسرائيل في امتلاك هذا السلاح، أو تصبح الدول العربية بين فكي كماشة نووية من الشرق والغرب، وهذا حتى من دون أخذ باكستان والهند وروسيا في الاعتبار. الصحف الإسرائيلية نفسها تقول إن إسرائيل تبالغ في موضوع البرنامج النووي الإيراني، أي انها تكذب. وما قرأت في هذه الصحف هو ان إسرائيل حذرت سنة 1991 من برنامج إيراني عسكري، وأعطت كل مرة تقديرات متناقضة لمدى تقدم إيران في السعي لامتلاك قنبلة نووية، فهي زعمت سنة 2001 ان إيران على بعد ستة أشهر فقط من امتلاك القنبلة، وقال مدير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السنة الماضية ان إيران ستملك القنبلة النووية سنة 2010، غير ان دائرة الأبحاث في الاستخبارات العسكرية بلّغت أعضاء الكنيست الأسبوع الماضي ان إيران ستملك القنبلة سنة 2009. وهكذا، ومع توافر معلومات"دقيقة"فإن أميركا وإسرائيل تقولان إن كل الاحتمالات وارد، بما في ذلك ضربة عسكرية، وقد انضم رئيس وزراء بريطانيا إلى حليفته أميركا قبل يومين مهدداً إيران. بل ان"التايمز"اللندنية المؤيدة لإسرائيل زعمت ان واشنطن"قلقة"من احتمال توجيه إسرائيل ضربة عسكرية لإيران، مع ان مثل هذا الاحتمال مستحيل لأن إسرائيل بحاجة إلى مساعدة الولاياتالمتحدة في كل مرحلة من العملية، فهي لن تستطيع تنفيذها بنجاح وحدها. وهذا كله من دون معلومات استخبارات مؤكدة عن البرنامج الإيراني، ومع ثبوت كذب إسرائيل كل مرة. في مثل هذا الوضع لا أصدق إلا ما يصدر عن الدكتور محمد البرادعي، رئيس وكالة الطاقة الذرية الدولية. ويكفي ان مجرم الحرب شاؤول موفاز، نائب رئيس وزراء إسرائيل يهاجمه ويطالب بعزله، دليلاً على أهمية عمل البرادعي ووكالته ليعرف العالم الحقيقة. موفاز هو رئيس الأركان الإسرائيلي السابق الذي قتل نساء وأطفالاً فلسطينيين، ومثل احتلالاً وحشياً، وهناك قرارات دولية ضده، وهو ينتمي إلى حكومة نازية تستعمل السلاح لتثبيت الاحتلال في وجه إرادة العالم، ثم يتحدث عن إرادة هذا العالم المعروفة تماماً، ففي كل سنة تنتهي إسرائيل وحدها في الجمعية العامة، وليس لها أنصار سوى الولاياتالمتحدة ومايكرونيزيا. ويبدو ان الدكتور البرادعي يقوم بعمل جيد، فقد انضم إلى جوقة المنتقدين الإسرائيليين وزير الشؤون الاستراتيجية افيغدور ليبرمان، وهو روسي يرأس حزباً عنصرياً متطرفاً، وإلى درجة انه في تطرفه عارض علناً ان تمتلك مصر والسعودية برنامجاً نووياً سلمياً، وقال إن ذلك يمثل"سيناريو كارثة"لإسرائيل. الكارثة هي ان تمتلك إسرائيل وحدها سلاحاً نووياً في الشرق الأوسط، والكارثة الأخرى هي ان تخضع الدول الأخرى في المنطقة للتهديد النووي الإسرائيلي، أو ترد عليه بطلب سلاح نووي ما يعني انتشار هذه الأسلحة الفتاكة في واحدة من أكثر مناطق العالم خطراً وعدم استقرار. وفي الاختيار بين الكارثتين أدعو الدول العربية إلى امتلاك سلاح نووي. مرة أخرى، الحل المثالي هو ان يعلن الشرق الأوسط منطقة مجردة من الأسلحة النووية، فإن رفضت إسرائيل فإن دول المنطقة تخون شعوبها ومستقبل أبنائها إذا لم تسع إلى امتلاك سلاح مماثل.