في مواسم الخير يتسابق الناس الى التقرب من الله بالعبادات وعمل الطاعات، فتراهم يقبلون في هذه الأيام المباركة على الصوم والصلاة والأذكار، ويظنون أنهم بذلك استغلوا الموسم أفضل استغلال وعملوا كل ما يمكّنهم من اكتساب أكبر قدر ممكن من الحسنات، فهل أصابوا في ذلك؟ لا يمكنني القول انهم اخطأوا، لكن هل استغلوا الموسم الى أبعد حد ممكن بالصيام والقيام والذكر وما نفعوا بذلك إلا أنفسهم؟ أليس هناك من طريقة لكسب الأجر في عمل لا يقتصر نفعه على فاعله؟ ما سميته في عنواني الحسنة المتعدية التي يتعدى نفعها صاحبها الى غيره، وربما يعمل الإنسان حسنة تنفع الإسلام والمسلمين، فيكون بذلك قد أبلغ حتى في نفع نفسه لأنه سيأخذ أجر كل من استفاد من حسنته، وذلك بدل أن يقضي وقته في عبادات لا يستفيد غيره منها. فأين نحن من حديث عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال:"أحب الناس الى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال الى الله عزّ وجل سرور تدخله على مسلم تكشف عنه كربة أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد يعني مسجد المدينة شهراً، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضىً، من مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبّت الله قدميه يوم تزول الأقدام". أين نحن من صلة الأرحام ولو تأمل أحدنا حوله فسيجد أرحاماً مقطعة. فهذا أخ خاصمه منذ شهور، وتلك أخت لم يكلمها منذ أسابيع، ويقنع نفسه بأنه مشغول، وهذا عم وتلك خالة وابن عم وابن خال ربما لو التقى بهم في الطريق لم يعرفهم، ثم يقبل في مواسم الخير على الصيام والقيام ويظن أنه بذلك يحسن صنعاً! وأين نحن من عيادة المريض، أليس لأحدنا قريب مريض؟ كيف والأمراض لم تترك صغيراً ولا كبيراً؟ أم أن من أهلنا من هم مرضى ولا ندري لأننا لا نسأل عنهم؟ هل ننتظر حتى يحين القضاء لنترحم عليهم ولات حين مندم، ثم ليكن كل أهلنا وأقربائنا في عافية وهذا ما نرجوه، لماذا لا يجتمع نفر منا فيزورون المستشفيات ويقولون كلمة خير، يعلّمون المرضى الأذكار والالتجاء الى الله ويدعون لهم بالخير، ما العيب في ذلك؟ ولماذا لا تجتمع مجموعة من الفتيات ليقمن بهذه الزيارة لأقسام الأطفال أو النساء في المستشفيات وفي السجون وفي دور المسنين وفي دور الأيتام؟ وربما أخذوا معهم بعض الهدايا الرمزية فيدخلون السرور على جماعة من المسلمين هم في أمسّ الحاجة الى كلمة مواساة، ويكونون قد قاموا بأحب الأعمال الى الله. بل وأين نحن من الدعاء للمسلمين، خصوصاً الذين يتعرضون للحصار والاحتلال وغيره، أين نحن من قول كلمة حق تساهم في رفع الحصار ودفع الاحتلال ولو بقدر ما تساهم شمعة في تبديد الظلام. أين نحن من الصدقات، وهل يقبل الله منا أن نجتهد في صوم النافلة ثم نزين مائدة إفطارنا بأشهى المأكولات من حلو ومالح وحار وبارد، وحولنا وربما في حيّنا من يطوي جوعاً وينام من دون عشاء لأنه لا يجد ما يأكله؟ وهذا عيد الأضحى يحل، فماذا أعددنا له؟ هل أعددنا الحلويات وأصناف الكعك، واشترينا أثواب العيد لنا ولأبنائنا؟ فمن يشتري عيدية لليتيم؟ ومن يهدي ملابس لأبناء الأسر المتعففة من الفقراء والمساكين الذين لا يسألون الناس إلحافاً. دعونا نبحث عن الحسنات المتعدية ? ولا نهمل الحسنات اللازمة ? نتقرب بها من الله فيصدق فينا قوله صلّى الله عليه وسلم:"المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاًَ". ثم لماذا نخطط ليوم عمل في الدنيا ونحضر ما يلزمنا ولا نخطط للاستفادة من هذا الموسم المبارك لأقصى حد ممكن؟ ليتنا نخطط لقضاء هذه الأيام ونعد جدولاً بالزيارات وقائمة اتصالات، ونرصد مبلغاً من المال لتوزيعه على أصحاب الحاجات، اننا إن فعلنا فنحن أول المستفيدين، لا تأس على ما فات وشمر للاستفادة مما بقي، فهي أيام قليلة وينفض السوق. منى محمد العمد - بريد الكتروني