حين تبدأ أزمة مصرفية في بلد من البلدان، لا يضطلع صندوق النقد الدولي بدور مباشر، ويتقصر على أداء المشورة الى الحكومات. وفي أثناء الأزمة الأخيرة، نصحنا الحكومات، في ضوء تحليلنا 122 أزمة سابقة، بإجراءين: ترك معالجة الأزمة كل حال على حدة والاتفاق على حلٍ عام، أولاً، ثم رسملة المصارف من جديد وليس الاكتفاء بضخ السيولة غير المجدي. ولست أشك في صواب اقتراح غوردون براون تحويل صندوق النقد الدولي مصرفاً مركزياً عالمياً، وتمكينه من وسائل مالية قوية. فهو محق في إرادته إصلاح العمارة المالية العالمية. فمن أعراض العولمة أن يترتب على انهيار السوق العقارية بولاية فيرجينيا الأميركية إصابة المجر. وذلك لأن انهيار قطاع البناء الأميركي يدعو المصارف الأميركية أولاً، ثم مصارف العالم كله، الى إعادة أموالها الى بلدانها، وقطع تسليفها عن البلدان البعيدة. وأثر حجارة"الدومينو"لا راد له في الحال هذه، ما لم تتولَّ مؤسسة قوية وفاعلة علاج الأثر المتوقع هذا. وهذا ما يسع صندوق النقد الدولي توليه شرط تثبيت دوره منسقاً ومنظماً للعلاقات المالية العالمية، على ما يدعو اليه نيكولا ساركوزي. وعلى هذا أقترح على مجموعة العشرين، ولقائها في منتصف تشرين الثاني نوفمبر بواشنطن خطة ترشيد عامة من خمسة محاور: 1 جمع موارد قرض جديد يتيح معالجة مشكلات السيولة على أمد قريب التي تعانيها بعض الاقتصادات، واتفقنا للتو على مواصفاته. 2 زيادة موارد الصندوق التي قد لا تفي بالحاجات المتعاظمة على أمد متوسط، على ما يقترح غوردون براون. 3 استخلاص دروس السياسات الاقتصادية التي أدت الى"الفقاعات"المتكررة، ويؤدي انفجارها الى تدمير الاقتصاد الانتاجي الحقيقي. وهذا ما عهدت إلينا به، منذ أيام قليلة، 185 دولة تشترك في عضوية الصندوق. 4 مراقبة القواعد المالية الجديدة التي بلورها منتدى الاستقرار المالي متعاوناً مع الصندوق. ويجمع المنتدى المصارف المركزية الكبيرة كلها. 5 المساعدة على إنشاء نظام عالمي أكثر تماسكاً، يستمد تماسكه من بساطته، وأكثر فاعلية جراء التنسيق بين حلقاته. ففي وسع الصندوق الاضطلاع بدور يتخطى دوري الاطفائي والبنّاء، موقتاً، الى دور المعمار. ونتوقع من اجتماع مجموعة العشرين بواشنطن أن يحيط بالظرف التاريخي الراهن ويلم به من وجوهه. ويترتب على الإحاطة والإلمام اختطاط سياسة حاسمة، في ضوء الوثيقة التي نقترحها عليه وتتناول دروس الأزمة وسبل إصلاح الحكومة المالية العالمية وترشيدها. والقول إن الأميركيين لا ينظرون بعين الرضا الى الأمر يغفل عن أن أشياء كثيرة تغيرت في سياق الأزمة. فالبلدان كلها تقر، وهذا لا يستثني الأميركيين، بأن السوق لا تعمل على نحو مجدّ إلا في رعاية ناظم يتولى تدخيرها، وبأن منافع العولمة مستحيلة ما لم تعالج عيوبها. وجمعيتنا العمومية، في 11 تشرين الأول أكتوبر هي بمنزلة انعطاف: فأعضاء الصندوق ال185 أجمعوا من غير استثناء على نظام تعاوني، تولى بدوره مساعدة الأوروبيين على الإجماع، في 13 منه، بباريس. وقبل أيام قليلة كان ديدن الناس كلهم القسم بأيْمان قومية مغلظة. ولا بأس بالتنبيه الى أن المشاركين في اجتماع واشنطن عشرون، وليسوا ثماني دول. فالمسؤولون أدركوا أن الاقتصاد العالمي لا يقتصر على البلدان الغنية. وفي ما يعنيني، لا أنفك أذكر أن وراء الأزمة المالية أزمة أخرى، وهي تصيب البلدان الفقيرة التي يكبدها غلاء المواد الأولية والمنتجات الغذائية خسائر فادحة. ففي البلدان المتقدمة، الأزمة تعني انخفاض القوة الشرائية، وفي البلدان الفقيرة تعني احتمال المجاعة في بعضها، وسوء تغذية في معظمها الآخر، وآثار ندوب طوال جيل كامل. عن دومينيك ستروس - كان المدير العام لصندوق النقد الدولي منذ الاول من تشرين الثاني/ نوفمبر 2007، "لوموند"الفرنسية، 31/10/2008