سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"اليساري العرفاتي" فتح ل "الحياة" دفاتر الثورة الفلسطينية ومعارك قائدها . ياسر عبدربه : حاول أبو عمار الالتفاف على نصوص أوسلو فقال رابين لمستشاريه "اسحقوه" تقبل مضطراً تشكيل حكومة برئاسة أبو مازن وانتظر كتاب استقالته ليوافق عليه 4
كانت قناة أوسلو مجرد محاولة استكشافية ولم يعوّل ياسر عرفات عليها إلا حين دخل رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين على الخط سائلاً ومستفسراً. وحاول عرفات لاحقاً الالتفاف على نصوص أوسلو فكان رد فعل رابين عنيفاً. كان ياسر عرفات قائداً بارعاً للثورة لكنه تصرف في السلطة كرئيس عربي. أراد إبقاء القرار في عهدته والإمساك بكل الخيوط. وحين اضطر الى القبول باستحداث منصب رئيس للوزراء اعتمد سياسة المشاكسة وانتظر كتاب استقالة رئيس الوزراء محمود عباس ليوافق عليه. هذا ما يقوله ياسر عبدربه وهنا نص الحلقة الرابعة: كنت شريكاً في الاتصالات مع الاردن؟ - الاتصالات مع الاردن كانت من الأدوار التي كان يريد ياسر عرفات أن يدفعني فيها بأشكال متنوعة. أيضاً، بعد 1983 ذهبنا إلى الأردن حيث اجتمع أبو عمار مع الملك حسين ثم جاء مستشار الملك عدنان أبو عودة وجلس معه ووضعوا صيغة للشراكة الثنائية الفلسطينية - الأردنية في التسوية والحل، تحت عنوان الكونفيديرالية بين الأردنوفلسطين. ذهب أبو عمار بعد ذلك الى الكويت ودعا كل القيادة الفتحاوية ودعا نايف حواتمة وأنا، وعرض الاتفاق. الكل ثار ضد الاتفاق وقال انه لا يريد اتفاقاً مع الأردن وان هذا تنازل عن حقنا في دولة فلسطينية مستقلة. فبقي أبو عمار وحيداً وكان غاضباً جداً وهذه من المرات القليلة التي أعلن فيها استقالته. كنت مثل الساعي بين الطابق الأعلى الذي يجلس فيه أبو عمار وحده، وبين اعضاء قيادة"فتح"كلهم، أبو أياد وأبو جهاد وخالد الحسن ونايف حواتمة، الذين رفضوا الاتفاق. كان أبو عمار يسألني عن أجوائهم وكنت أقوم بنقل الأجواء إليه على حقيقتها بأنهم يسخنون الجو ويصرحون ويقولون إنهم ضد الاتفاق. عندما احتد الخلاف قال لي قل لهم إني مستقيل. كان ذلك في أي سنة في الكويت؟ - نعم في الكويت وأظن ان هذا حصل قبل عام 1984. في شباط 1984 أعلن الاتفاق ولم يعش طويلاً؟ - جنين الاتفاق في اوائل 1983 أي بعد المجلس الوطني الذي عقدناه في كانون الثاني أو شباط. بعده عقد هذا الاتفاق السري مع الأردنيين حتى يستخدمه الملك حسين في علاقاته الأميركية والدولية. نزلت إليهم وقلت لهم إن ابو عمار مستقيل. قالوا لي: ليقدم استقالته مكتوبة. من قال لك ذلك؟ - هم. أبو أياد قال بلؤم: ليقدم استقالته مكتوبة. ذهبت الى ابو عمار وقلت له: لا تأخذها على باب المزاح، يقولون: قدم استقالة مكتوبة. فقال لي: أنا جاهز. وكتب الاستقالة التالية: إلى جماهير الشعب الفلسطيني، بما ان اخوتي في قيادة حركة"فتح"وقيادة الشعب الفلسطيني قد تخلوا عن دورهم وواجباتهم كقادة في الدفاع عن مصالح الشعب، فإني اقدم استقالتي، آملاً ان يجدوا من هو أفضل مني. أخذت الورقة ضاحكاً، وأعطيتهم اياها فقالوا: حتى هذه فيها تحريض علينا، هذه ليست استقالة بل بيان تحريض، مع ذلك فإن ياسر عرفات لم يوقعها. استقالة من دون توقيع. كيف انتهت؟ - انتهت على الطريقة الفلسطينية الى نوع من المصالحة. أبو عمار قال لهم: اعتبروا الاتفاق غير قائم، وطبعاً لم يبلغ الاردن بذلك، والآخرون اكتفوا بهز العصا لياسر عرفات. بعضهم اعتبر أنهم ليسوا ضد مضمون الاتفاق، بل ضد تفرد ابو عمار بعقد اتفاق من دون التشاور معهم. من كان المنافس الأول لابو عمار؟ أبو أياد؟ - أبو أياد كانت له علاقة خاصة بأبو عمار الذي كان يحتاج اليه في المفاصل الصعبة، لأن أبو أياد - على حد قوله - هو الوحيد الذي كان قادراً عام 1988 أن يجعل المجلس الوطني الفلسطيني بعد خطاب ألقاه، يقف مصفقاً بقبول القرار 242 أي بقبول التنازل عن أربعة أخماس فلسطين. الوحيد الذي كان قادراً على فعل ذلك بمزج بين الواقعية السياسية والخطاب الذي يصدم الأوهام وديماغوجية شعبوية وشعارات لاهبة ممزوجة فيها. أبو أياد كان الثعلب السياسي الذي يكمل ياسر عرفات ويسنده في المواقف الصعبة. كل مساومة كان يريد أن يجريها ياسر عرفات كان يحتاج إلى أبو أياد من أجل تمريرها، سواء أكانت مساومة داخلية داخل"فتح"أو في منظمة التحرير، أو مع اطراف عربية أو على مستوى سياسي بما يخص المفاوضات والقضية الفلسطنية. أبو أياد كان الذراع الحقيقي لعرفات وسنده، كما كان أبو جهاد ذراعه الكفاحي في ما يتعلق بملفات مهمة سواء ملف المخيمات في لبنان والصدامات مع"أمل"وغيرها، أو في ملف الأرض المحتلة والعمليات في داخلها. هل كان أبو جهاد القائد العسكري الذي يدير الحرب في المخيمات؟ - أبو جهاد كان ذراعاً منفذاً لأبو عمار لكن أبو عمار لم يكن يترك هذا الأمر لأحد. كان يشرف تفصيلياً على كل الأمور. عرفات ورابين ماذا كانت طبيعة العلاقة بين عرفات واسحق رابين؟ - تطورت العلاقة بشكل ايجابي بينه وبين رابين. أذكر ان اول لقاء عقدناه مع رابين في القاهرة في نهاية عام 1993، بعد التوقيع على أوسلو في البيت الأبيض في 13 ايلول سبتمبر. بعدها بنحو شهرين التقينا مع رابين ووفده بكامله وكان معه طاقمه العسكري ورئيس اركانه. وكان مع أبو عمار أنا وآخرون. بدأ النقاش بشكل ودي ثم انفرد أبو عمار ورابين في غرفة وحدهما نحو ساعتين. بعد خروجهما قال رابين لابو عمار: كيف يمكن أن يبدأ تنفيذ الاتفاق في ما بيننا؟ فقال له: بسيطة. انتم تنسحبون وانا اسمح لكم أن تكون لكم دورية مشتركة معي ومع القوات الدولية على غور الأردن. نحن كدنا ننزل تحت الأرض، اذ لم يكن هناك غور الاردن ولا الضفة، بل هناك أريحا فقط. وصل أبو عمار الى قمة الشجرة. نظر إليه رابين وقال له بأدب شديد: السيد الرئيس يبدو أن هناك سوء فهم تاريخياً في ما بيننا، ويبدو أننا ارتكبنا خطأ أنا مسؤول عنه. كان يفترض أن نلتقي قبل توقيع الاتفاق لأن هناك التباساً وسوء فهم كبيراً بناء على كلامك. على كل حال لم يفت الأوان وكل الأخطاء قابلة للتصحيح. وانتهى اللقاء. كان هذا اللقاء الأول. علمنا في ما بعد أنه عندما غادر رابين قال لمستشاريه على الطائرة: اسحقوا عرفات، هو يعتقد أنه سيتسلم كل شيء. ليس فاهماً أو يريد أن يتلاعب معي. بعد شهر التقينا مع رابين في باريس مصادفة، وكان يبدو كأنه شخص آخر تقريباً وكان أبو عمار حينها يريد ان لا تأتي أموال الدعم والمساعدات الى مشاريع بل إلى صندوقه وهو يتصرف بها كما يشاء. ماذا حصل في لقاء باريس؟ - في لقاء باريس قال له رابين: السيد الرئيس، دعني انصحك وأرجو أن لا تفهم أن هذه نصيحة عدو. نحن أقرب الناس إلى الولاياتالمتحدة ولا يوجد بلد في العالم قريب وحليف للولايات المتحدة مثلنا، والولاياتالمتحدة تعطينا سنوياً بلايين الدولارات، لكن في نهاية كل سنة يرسلون وفداً من الكونغرس يدقق معنا كيف صرفناها على المشاريع وفي أوجه الصرف المتفق عليها حتى آخر دولار. ونقدم لهم هذا الكشف. هذا ما نقوم به ونحن أقرب الناس الى الولاياتالمتحدة، فكيف بالنسبة إليك وانت حتى الآن جديد على العالم؟ فلمصلحتك أقبل المعايير الدولية في ما يتعلق بالتعامل مع المساعدات. هزّ أبو عمار رأسه وابتسم ولم يجب، وطبعاً لم يعتبر هذه النصيحة من صديق أو عدو، ولكن أياً كان مصدر هذه النصيحة لم يكن أبو عمار في ذلك الوقت مستعداً لتقبلها. وفي بقية اللقاءات مع الاسرائيليين كنت حاضراً إلى جانبه. هل عقد لقاءات سرية مع الاسرائيليين؟ - كانت تتم لقاءات على هامش اللقاءات العلنية. كان يحصل عادة لقاء جانبي سرّي وجرى هذا مع رابين وبيريز وباراك وحتى مع نتانياهو. بيريز كان يحرص على ان يكون تفاوضه مع عرفات ثنائياً، وكان يستخدم طبعاً أسلوب التحايل، من نوع: سيدي الرئيس أنت رئيس ولكن أنا وزير خارجية مسكين عندي مرجعيتي، أنت تستطيع أن تأخذ قراراً وأنا لا استطيع ان آخذ قراراً. انت صاحب قرار مطلق وسيد. وكانوا دائماً، بعدما اكتشفوا نقطة ضعف، يحاولون اللعب عليها وهي حب ياسر عرفات لتعزيز سلطته، وكانوا يحاولون ان يساوموه على هذه النقطة، مقابل تعزيز سلطته تعزيز توسعهم في مجالات أخرى وخاصة في مجال الاستيطان. هذه كانت النقطة الأخطر. ياسر عرفات كان يندفع في المفاوضات أحياناً، أحياناً كان لا يعرف جغرافية مدينة أو منطقة ما ويجلس ويفاوض عنها. هذه كانت من بين المشاكل. ألم يلتق شارون؟ - التقى شارون. لم يتصافح معه؟ - شارون لم يصافحه. كنا في واي ريفر، ودخل شارون وكان كلينتون ونتانياهو ومختلف الوزراء الاسرائيليين. عندما مرّ شارون من أمام ياسر عرفات أدى له عرفات التحية العسكرية باعتباره جنرالاً إلى جنرال، وكان ياسر عرفات يحب لقب ودور الجنرال أكثر من حبه لأي شيء آخر، لكن شارون لم يقابله بالتحية. أدى له عرفات التحية ومد يده له، لكن الآخر مرّ عليه ولم يسلم. انما ابو عمار التقى أولاد شارون مرات عدة وكان خالد سلام عادة الوسيط لجلبهم الى ابو عمار. بعدما أصبح شارون رئيساً للوزراء، كانت الرسالة الرئيسية التي نقلها عمري شارون من ابيه الى ابو عمار: اعطني الأمن وسأعطيك كل ما تريد. رسالة شفوية. الأمن بمعنى وقف العمليات وسواها. أبو عمار كان متردداً أن يعطي جواباً بالإيجاب على هذه النقطة خوفاً من أن تكون فخاً منصوباً له من ناحية، ومن ناحية ثانية كانت الأمور في مرحلة لم يعد أبو عمار قادراً على السيطرة عليها. وهذا ما لم يكن يعرفه الكثيرون. لكن أبو عمار عادة يكابر ولا يعترف بأنه فقد السيطرة. هذه كانت ربما بعض النقاط المأسوية في تجربة أبو عمار. المنافسة مع قيادات الداخل كيف كانت علاقة ابو عمار مع وفد فلسطينيي الداخل؟ - أنا كنت مع أبو عمار ومع عدد من القيادات الفلسطينية ليلة مجيء الوفد الفلسطيني من مدريد الى الجزائر ثم عودته في الليلة نفسها من الجزائر الى مدريد عند افتتاح مؤتمر مدريد. وكان هذا اول لقاء بين ياسر عرفات والقيادات الآتية من الداخل. كان عرفات يشعر بشيء من المنافسة مع قيادات الداخل. من هم؟ - الوفد الفلسطيني كان يقوده بالاساس حيدر عبدالشافي ويقوده ايضاً من خارج قاعة الاجتماعات بالتعاون مع فيصل الحسيني. هذا الشعور لم يكن مؤذياً في البداية ولم يدفع ياسر عرفات الى تعطيل عمل هذا الوفد والمفاوضات، خصوصاً عندما كلفني انا وابو مازن الذهاب الى عمان وعقد اتفاق مع الاردنيين حول صيغة الوفد الاردني - الفلسطيني المشترك. وكتبت بالاشتراك مع الجانب الاردني الوثيقة المشتركة لتنظيم عمل الوفد الاردني - الفلسطيني. كان يرأس الجانبين ابو مازن وطاهر المصري الذي كان حينها رئيس وزراء ووزير خارجية الاردن. ووضعنا صيغة بحيث تكون هناك مرجعية عليا هي الملك حسين وياسر عرفات، ثم هيئة تشرف على المفاوضات تضم رئيس الوزراء الاردني طاهر المصري وأبو مازن وعدداً من الشخصيات من الجانبين، ثم الهيئة المشرفة داخل الوفد المشترك الاردنيالفلسطيني، وأن الاردن يلتزم أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي الوحيد وان كل ما يتعلق بالشأن الفلسطيني يعود القرار فيه للفلسطينيين وحدهم. هذا الاتفاق اراح عرفات كثيراً ومهد لعلاقة ايجابية بينه وبين الملك حسين، وهذا مكننا ابو مازن وانا ان نجد مناخاً ايجابياً يحيط بدور الوفد الاردني - الفلسطيني في مفاوضاته في واشنطن. وأبو مازن أصبح هو مرجعية ذلك الوفد، أي كل التقارير اليومية عن المفاوضات مع الاسرائيليين تأتي الى ابو مازن وهو يصادق عليها او لا يصادق، وكان هناك نبيل شعث وأكرم هنية مندوبان عن القيادة في الاشراف على الوفد في واشنطن. استمرت هذه الصيغة قائمة الى ان بدأ الاحتكاك الأول الذي جاء بعد موقف حيدر عبدالشافي في عمان برفضه قبول العودة الى طاولة المفاوضات لأن هذا قرار للوفد وليس قرار ياسر عرفات. ثم تطورت الامور بحساسية عندما عرض الاميركيون والاسرائيليون على حنان عشراوي وفيصل الحسيني صيغة خلاصتها البدء بإقامة حكم ذاتي في الضفة الغربية وتقديم مساعدة بمئات الملايين من الدولارات لمشروع الحكم الذاتي ليقف على أقدامه والتمهيد لانتخابات داخلية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وقتها ثارت ثائرة ياسر عرفات واعتبر ان هذه محاولة للالتفاف عليه وعلى دور منظمة التحرير، ومن هنا بدأ يشعر بحساسية شديدة تجاه دور الوفد الفلسطيني الى ان فتح باب اوسلو وانتهى دور الوفد الفلسطيني في واشنطن بفعل اتفاق اوسلو. كيف بدأت القناة السرية في اوسلو؟ - القناة السرية بدأت مع ابو علاء. عاد الى ابو مازن الذي وافق على هذه الفكرة، واستشار ياسر عرفات بشأنها فصادق عليها. لكن كما ذكرت، لم يكن أبو عمار يعطيها اهمية كثيراً في البداية، بل اعطاها اهمية في ما بعد عندما دخل رابين على الخط ووجه أسئلة حول الموقف الفلسطيني فاعتقد ابو عمار انها اصبحت أكثر اهمية. يقال ان ياسر عرفات تقبل بصعوبة فكرة استحداث منصب رئيس الوزراء وانه ساهم عملياً في اسقاط حكومة ابو مازن؟ - ياسر عرفات لم يقبل ولا للحظة فكرة ان يتخلى عن رئاسة الحكومة الفلسطينية بشكل مباشر، خصوصاً أن ابو عمار اعتاد طوال 40 عاماً انه هو الرئيس لكل هيئة فلسطينية ذات موقع. وكان يرى في فكرة انشاء مجلس وزراء وفصل الأمن عن رئيس السلطة وتحويله الى الحكومة وتوحيد الأجهزة الامنية في 3 اجهزة بدلاً من تشعبها هو نوع من التآمر لتقييده والحد من صلاحياته الى اقصى مدى بهدف التمهيد أيضاً لإبعاده وإقصائه. ناور ياسر عرفات طويلاً حتى لا يوافق على هذه الفكرة واذكر ان اللورد ليفي جاء مبعوثاً من توني بلير عندما كان رئيساً للوزراء، في منتصف عام 2002 أو 2003 ناقلاً رسالة من بلير يقول فيها انه ذاهب الى لقاء جورج بوش في واشنطن وأنه يأمل بأن يحصل على موافقة على تعيين رئيس وزراء كامل الصلاحية بشكل واضح. واذا كان هذا الكلام مقبولاً فانه يريد ان يحصل على جواب مكتوب من ياسر عرفات بذلك. التقاني اللورد ليفي في مكتبي. ذهبت الى ياسر عرفات وقلت له: الأمور نضجت ولا بد من اعطاء جواب. طبعاً بعد مرور اشهر ظل عرفات يرفض فيها رفضاً قاطعاً أن يعطي مثل هذه الورقة اعد رسالة ليعطيها للورد ليفي. الرسالة تقول: نحن ندرس امكانية تعيين رئيس وزراء ذي صلاحيات في الوقت المناسب. انا قلت له صراحة: أنا لن أحمل هذه الرسالة لأن مفعولها سيكون سلبياً للغاية، وأفضل أن أترك الأمر وأذهب الى مكتبي لأن الرجل ينتظرني وأرجو، من هنا الى ساعة، ان تشاور نفسك وأن ترسل لي جوابا واضحاً. فثار أبو عمار وقال: أنتم تريدون اضعافي وانتم يبدو انكم متواطئون ضدي وانتم صرتم... قلنا له: هذا الواقع القائم. مع من كنت؟ - كنت أنا وصائب عريقات وأكرم هنية. قلنا له: نحن أقرب الناس إليك، نحن جماعتك، رأينا أن تحني رأسك امام هذه العاصفة. رئيس وزراء او غيره، لن يستطيع احد ان يناطح ياسر عرفات أياً كان واذا كان المطروح أبو مازن فهو ليس خصماً لك. ابو مازن سيكون تحت جناحك في كل الاحوال. لذلك لا مبرر لرفض هذا الطلب. نعطيهم اياها ونغلق هذا الملف الذي يستخدمونه ضدنا من اجل تبرير الحصار والقمع والتخريب الذي يمارسونه ضد السلطة الفلسطينية. رفض كلامنا بشدة وذهبنا واجتمعنا في مكتبي وكان اللورد ليفي. وبعد نصف ساعة وصل مغلف من ياسر عرفات يتضمن قبولاً صريحاً بتعيين رئيس وزراء للسلطة الفلسطينية، أعطيته للورد ليفي فطار من الفرح وعاد الى لندن. بعدها استدعى أبو عمار أبو مازن وكلفه رئاسة الوزارة. ابو مازن وابو عمار كيف كانت العلاقة بينهما؟ - شكل أبو مازن الحكومة، فاعترض ياسر عرفات في البداية على بعض المناصب في الحكومة. لأن الحكومة كانت تضمني انا وصائب عريقات كوزيري دولة، واعترض على توزيع مناصب اخرى. لم يكن هذا الاعتراض بسبب حرصه فعلاً على تحسين تركيب الحكومة وادائها، وانما لأنه كان يريد منذ البداية ان يؤكد انه هو المرجعية حتى في تعيين الوزراء. وابو مازن كان حريصاً على أن يبقى على تشاور مع ابو عمار وان لا يقوم بأي خطوة من دون العودة اليه بسبب حساسية هذا الموضوع، خصوصاً انها المرة الأولى التي يتنازل فيها ياسر عرفات عن جزء من صلاحياته ولو كان تنازلاً شكلياً. لم تكن هناك نقاط احتكاك كثيرة. ابو مازن كان يريد ان يعين بعض الوزراء في مناصب امنية. احياناً محمد دحلان واحياناً اخرى نصر يوسف. أبو عمار كان يريد ان يكون هناك وزير للداخلية يتولى الشؤون الامنية فقط ولكن لا تحال مسؤولية الأجهزة الأمنية الى الحكومة فيفقد السيطرة عليها. كانت هذه من بين نقاط الاحتكاك الرئيسية. وهناك نقاط احتكاك اخرى، أن ابو عمار كان يرغب في توزيع الرواتب على الضباط والجنود من خلال الدفع النقدي المباشر بحيث يأخذ قائد القوات هذه الرواتب في أكياس ويوزعها. سلام فياض كان وزيراً للمال وقتها فأصر على ان يتغير هذا النظام وان يتم تسلم الرواتب عبر البنوك وبحوالات ووفق تداول واسماء وارقام هوية يدقق فيها لأن دفع الأكياس هذا لا يعرف مدى دقته. ماذا كان منصبك؟ - كان منصبي في تلك الحكومة وزير شؤون مجلس الوزراء. حاولت بسبب علاقتي الايجابية جداً مع ابو عمار التقريب باستمرار بين موقفه وموقف ابو مازن الذي تحلى بالمرونة الشديدة على رغم استمرار الضغوط عليه. القشة التي قصمت ظهر الوضع بأكمله كانت عندما عقدت قمة شرم الشيخ وقمة العقبة بعدها بيوم في حضور جورج بوش والملك عبدالله الثاني والرئيس مبارك والملك عبدالله بن عبدالعزيز وأبو مازن بديلاً من ابو عمار الذي كان محاصراً وممنوعاً من الخروج الى شرم الشيخ، ثم انتقل الاجتماع الى العقبة في اليوم التالي حيث عقدت قمة ضمت شارون وأبو مازن في حضور جورج بوش في ضيافة الملك عبدالله الثاني. بعد شرم الشيخ عقدت قمة ثانية في العقبة ثلاثية فلسطينية - اسرائيلية - اميركية في ضيافة الملك عبدالله الثاني الذي لم يشارك في هذه الاجتماعات. جورج بوش عقد لقاء بحضور شارون ووزرائه وأبو مازن وأنا وعدد من الإخوة ابو علاء وصائب عريقات ونبيل شعث. الذي حصل أن جورج بوش لام الاسرائيليين على انهم لا يساعدون أبو مازن للقيام بدوره في السيطرة على الوضع وضبط الأمن، وبدأ الاسرائيليون، خصوصاً رئيس الاركان شاؤول موفاز، يقولون ان الفلسطينيين ليسوا جادين في الامن وغيره. تولى جورج بوش الرد عليهم وقال انه حتى يكون الفلسطينيون جادين هم في حاجة الى تعاونكم ومساعدتكم وليس الى انتقادكم المستمر لهم. وعندما خرج سأل جورج بوش شارون: من هؤلاء من جماعتك الذين تحدثوا؟ فقال له: هؤلاء من الجماعة العقلانيين والمعتدلين. فقال له: اذا كان هؤلاء معتدلين فمن هم المتطرفون عندك؟ كان الجو ايجابيا. ألقى ابو مازن كلمة. في اي سنة كان ذلك؟ - اظن في منتصف 2003. ألقى ابو مازن كلمة ادان فيها الارهاب. اثار أبو عمار مشهد لقاء القمة على هذا المستوى وهو محاصر في المقاطعة ولم يذكر عنه شيء ولم يشر اليه أحد، لا من القادة العرب ولا من غيرهم. هذا اثار ابو عمار جداً، لذلك عندما عدنا فوجئنا بعاصفة كبيرة جداً كان هو محركها وكان يدين صراحة الخطاب الذي ألقاه أبو مازن ويوجه اتهامات شديدة وانتهت هذه الرحلة الأليمة بأن ابو مازن ذهب الى المجلس التشريعي وقدم استقالته من منصبه، وقبل هذا سلمني كتاب استقالة الى ياسر عرفات في غاية التهذيب والرقة. قال: بما ان الثقة غير متوافرة في فأنا لا استطيع ان استمر في أدائي هذه المهمة ولذلك اقدم لك استقالتي. حملت الكتاب الى ياسر عرفات وكنت اعتقد انه سيرفضه وعندما دخلت شاهد الكتاب وبذكائه الشديد طلب مني ان يحصل عليه وهو لا يعرف محتواه لأنه كان مغلفاً كبيراً. قلت له: هذا المغلف يحتوي على رسالة احملها لأنني ارغب منك ان ترفضها. فقال لي فوراً: انه كتاب استقالة. قلت له: نعم وأرغب منك بكل محبة ان ترفضها. أخذ الكتاب وقرأه ثم اعلن امام الحاضرين انه موافق على ما ورد فيه. وقام بعدها بتكليف ابو علاء بمنصب رئيس الوزراء. بعدها لم اشارك في اي حكومة. هل استمرت الفجوة بين ابو مازن وابو عمار؟ - ظلت حتى قبل اسبوعين من رحيل ابو عمار الى باريس. عندما علم ابو مازن ان وضع عرفات الصحي اصبح حرجاً للغاية بعدما ساءت حالته الصحية ذهب لزيارته. وصرنا مع ابو مازن نتردد عليه يومياً واحياناً لم نكن نستطيع لقاءه لأنه كان يصاب بحالات نوم وإغماء طويل وبدأ حجمه يضعف. دعينا عدداً من الوفود الطبية. ابو عمار كان يرفض مغادرة المقاطعة خوفاً من أن لا يسمح له بالعودة اليها، فأخذنا نأتي بالاطباء اليه. احضرنا وفود اطباء من الاردن ومصر وتونس واجمعوا على ضرورة ان ينقل للعلاج في مستشفى. وجدنا ان افضل مكان هو نقله الى فرنسا، وهو مكان هو يطمئن اليه اطمئناناً شديداً. في الليلة التي سبقت سفره الى فرنسا اجتمعنا كقيادة، عدد من قادة المنظة و"فتح"، في مقر ابو عمار في المقاطعة في رام الله وقلنا إنه يجب ان نبلغه ان رأينا ان عليه ان ينتقل فوراً الى فرنسا وان الاسرائيليين موافقون على سفره وعودته ونريد موافقته الصريحة على ذلك. من ناحية أخرى انه في فترة غيابه للعلاج سيبقى الوضع على ما هو عليه، أبو علاء يدير الحكومة وأبو مازن امين سر منظمة التحرير الفلسطينية ويدير الوضع فيها وكل واحد منا يبقى في موقعه ومرجعيتنا ابو عمار ونرسل تقاريرنا اليه، أي ان يطمئن الى ان لا شيء سيتغير في غيابه. وكلف ثلاثة لابلاغه هذا الأمر هم أبو مازن وأبو علاء وانا، فدخلنا عليه. تحدث ابو مازن اننا اتفقنا على هذه الترتيبات في غيابك. ابو عمار لم يجب على شيء. كان في وضع متعب، كان يجلس على حافة السرير وشكله منكمش ووجهه مبقع بالدم، وكنت لم أره منذ اسبوع لأن الاطباء منعوا عنه اللقاءات، فلم يجبنا. قلنا له: يجب ان تذهب الى فرنسا وهذا رأي الاطباء فقال: على بركة الله. عندما غادرنا علمنا انه استدعى عدداً من كبار ضباطه وعلى رغم حالته المتعبة قال لهم: اثناء غيابي في باريس لا تتلقوا التعليمات من احد. ترسلون التقارير الي والاوامر تتلقونها مني وانا في باريس. وغادر ياسر عرفات؟ - وغادر ياسر عرفات. ثم فاز أبو مازن في الانتخابات؟ - فاز أبو مازن في الانتخابات واستمر ابو علاء على رأس الحكومة، حتى حصلت الانتخابات التي جاءت بموجبها"حماس الى السلطة". * غداً حلقة خامسة نشر في العدد: 16671 ت.م: 25-11-2008 ص: 29 ط: الرياض