أغلقت سبل الاقتراض أمام المستهلكين الأميركيين الذين اعتادوا شراء كل شيء من الوحدات السكنية إلى البقالة بأموال مقترضة، وسيكلف سداد الفواتير أكبر اقتصاد في العالم وشركائه التجاريين ثمناً غالياً. وأظهر انهيار سوق الإسكان مدى اعتماد الأميركيين على ارتفاع قيمة العقارات السكنية في تمويل الإنفاق وتعويض مدخراتهم التقليدية التي أنفقوها. فخلال فترة الازدهار العقاري التي استمرت خمس سنوات وانتهت أواخر 2006، نمت ثروات الأسر وازدادت مبيعات تجارة التجزئة في سرعة أكبر من نمو الدخل، وفي الوقت ذاته تناقصت المدخرات. لكن مع اتجاه المصارف إلى تقليص إمكان الحصول على رهون عقارية وقروض للسيارات وبطاقات ائتمان، بدأ المستهلكون يغيّرون عاداتهم في الإنفاق في سرعة تتجاوز قدرة الشركات على التكيّف معها. وأطلقت شركات السيارات الأميركية تحذيرات من حالة أشبه بانهيار الطلب، لأن المشترين أصبحوا عاجزين عن الحصول على قروض أو غير راغبين فيها. وتتأهب المتاجر إلى أسوأ مبيعات في موسم الأعياد منذ 18 سنة على الأقل. وخلال السنوات العشر الأخيرة بلغت قيمة ديون الأميركيين ثمانية تريليونات دولار، بزيادة 137 في المئة تمثل ضعفي الزيادة على حجم الاقتصاد. وبلغ الحجم الإجمالي للديون 14 تريليون دولار، ليصبح مساوياً تقريباً لإجمالي الناتج السنوي للاقتصاد. وعلى رغم تنامي عبء الدين، ضخ المستثمرون من مختلف أنحاء العالم أموالاً في أسواق الأوراق المالية المدعومة برهون عقارية وبطاقات الائتمان طوال معظم سنوات العقد الحالي، ما شكّل عاملاً في بقاء تكاليف الاقتراض منخفضة. وبفضل الائتمان السهل ظل المستهلكون الأميركيون يزيدون إنفاقهم طوال فترة الازدهار العقاري، وتجاوزوا بكل سهولة نمو الأجور. وفتحت متاجر التجزئة مئات من المتاجر الجديدة لشغل مراكز التسوق الجديدة التي بنيت خصيصاً للاستفادة من الطفرة الاقتصادية. ونمت ديون بطاقات الائتمان بمعدل سنوي متواضع بلغ 1.2 في المئة لتصل إلى 971.4 بليون دولار في أيلول سبتمبر الماضي. ويتوقف مدى تدهور الوضع على حجم الخسائر في الوظائف مع انزلاق الاقتصاد الأميركي إلى ركود. وإذا ارتفع معدل البطالة نقطتين مئويتين أخريين إلى 8.5 في المئة، مثلما يتوقع خبراء اقتصاد، فهذا يعني أن ثلاثة ملايين آخرين سيصبحون عاطلين من العمل ويواجهون على الأرجح صعوبات في سداد فواتير بطاقات الائتمان والرهون العقارية.