عمر، موظف عشريني بسيط، يقتني ثلاثة أجهزة خليوية، سعياً وراء ظهور ب"مظهر رجل الأعمال"، الذي يلفت نظر المحيطين. وعلى رغم ان جهازين منها يفتقران لخدمة الإرسال لأنه غير قادر على دفع كلفة إعادة شحنهما، لكنه لا يستغني عن ثلّة هواتفه هذه كما يقول. وتصل كلفة فاتورة الهاتف النقال العائد لحمزة 22 سنة، موظف مستجد في أحد المصارف الى نحو 200 دولار شهرياً على رغم ان راتبه لا يتعدى حاجز ال 500 دولار، لكنه"سعيد ولا يرغب في تغيير نمط حياته"، على رغم شكوى والدته الدائمة من ذلك"لأنها تريده ان يوفر نقوده ليستطيع الزواج". ولا تجد بثينة 25 سنة، نفسها محرجة وهي تطلب من زميل لها ان يحول إلى هاتفها رصيداً بقيمة معينة، عندما تشح دقائق التخابر في هاتفها، لأنها لا تتخيل حياتها بلا خليوي"ولو للحظة". ولأيمن 30 سنة طقوس تكشف هوسه الكبير ب"موبايله"، فلا ينام إلا ويضعه تحت الوسادة ولا يدخل دورة المياه من دونه ولا يسمح لأحد بحمله أو الاتصال عبره وبخاصة زوجته"الفضولية"، كما يصفها. ويبرر عثمان 24 سنة، مدير إنتاج في مصنع حيازته ستة خطوط هاتفية، بأنه يحتاجها من أجل تيسير أمور عمله، ويقول أنه يخصص أوقاتاً معينة للتحدث عبرها في بعض الأمور الشخصية ومنها"الحب"طبعاً، وتبلغ كلفة فاتورته الشهرية قرابة 500 دولار. ويستنكر مستغرباً ظاهرة هوس الشباب الأردني باستخدام"الموبايل"الى حدّ التعلق والعشق لغايات لا تعود بالنفع على مقتنيها. ويرى معظم الشباب الأردنيين، الذين يشكلون نحو 70 في المئة من المجتمع الأردني، في استخدام الهواتف الخليوية مكملاً لصورتهم في عالم الرجولة. إلاّ أن هذه"الظاهرة"باتت تقلق نحو 86 في المئة من الأسر المستفيدة من خدمتها، لا سيما بعد أن أُثقِل كاهلها بسبب ارتفاع القيمة الشهرية لفواتير الهواتف الخليوية في ظل تصاعد جنوني للأسعار. ويمتد"عشق"الخليوي عند الشباب ليترجم رسائل قصيرة على الشريط السفلي للفضائيات العربية، وكشف دراسة استطلاعية اجراها مركز متخصص برصد الأسواق أخيراً، ان 42 في المئة من تلك الرسائل تعود لأردنيين. وقد بلغ عدد الرسائل القصيرة التي تداولها الأردنيون، خلال أيام عيد الفطر المبارك، 24 مليون رسالة بحسب مصادر شركات الخليوي المتعددة. وينتشر الهاتف النقال بطريقة لافتة بين الشباب الجامعيين، بهدف التباهي أمام الفتيات اللواتي يحرصن أيضاً على اقتنائه، كما أنه يظهر بين الأطفال والباعة المتجولين وحتى بين المتسولين. ويصف الدكتور في علم الاجتماع تحسين محادين تفشي الهواتف النقالة بين الشباب ب"عدوى الاستهلاك"، مشيراً الى دراسة أعدها أخيراً خلصت الى ان متوسط اقتناء الأسرة الواحدة للأجهزة الخليوية في الأردن بلغ ستة أجهزة. ويلفت إلى أن الوضع لا يتلاءم والواقع، فالمنطق الاستهلاكي، وفق علم الاجتماع الاقتصادي، يؤكد ضرورة المواءمة بين الوضع المادي والقدرة على الاستهلاك، وفي شكل خاص في دولة لا يتجاوز معدل دخل الفرد السنوي فيها أكثر من 2700 دولار. وفي حين تشير بعض التقارير إلى أن الأردن يحتل أولى المراتب بين دول العالم الثالث بعدد الخطوط الخليوية قياساً الى نسبة السكان، لم يعد الهوس يقتصر على اقتناء الخليوي، بل امتد الى ميل جامح إلى تغييره كلما وصلت الى الأسواق"موديلات حديثة"، ما يعكس حب الشباب للمظاهر، كما يقول أستاذ علم الاجتماع. ويشدد على ان البنية الاجتماعية في العالم العربي، تقود الى الاعتماد على الآخر ما يفسر اقتناء الشباب، لا سيما من هم دون 21 سنة، لأجهزة خليوية يبتاعها الأهل بالضرورة تحت ضغط ابنائهم المراهقين الذين يتقنون فن تقليد كل شيء . ولا يتردد نشأت 28 سنة، وهو مندوب تسويق، في تغيير جهازه مرة كل شهر تقريباً،"لأن اسعارها متاحة"، على حد تعبيره. وتتراوح أسعار الأجهزة الخليوية الجديدة بين 300 و1300 دولار فيما يبقى سعر المستعمل منها متقلباً وخاضعاً لمعايير متعددة ابرزها"الجودة والشكل". وبلغ عدد الهواتف المستوردة في الأردن، في الربع الأول من العام الحالي، 1.24 مليون جهاز مقارنة نحو 830 ألف جهاز في الفترة ذاتها من العام الماضي. وتقدّر أرقام، غير رسمية، ان سجلات الخدمة في شركات الخليوي تضم 4.8 مليون مشترك، فيما تتوسع ظاهرة امتلاك اكثر من خط للاستفادة من عروض الشركات المتنافسة والمنتشرة عبر إعلانات ضخمة على الطرقات.