بعيداً من مقر البورصة واجتماعات كبار رجال الأعمال، ينتشر في قطر صنف جديد من شباب أثرياء مجهولي الهوية. يتداولون صفقات بآلاف الريالات في عالم الانترنت الافتراضي لبيع «أرقام مميزة» للهاتف الجوال و ال «بين كود» الخاص بأجهزة البلاك بيري، بعد أن يتم عرض المنتوج في مواقع خاصة ومنتديات، عضويتها حكر على أصحاب الأرقام المميزة! وعلى رغم أن الأزمة الاقتصادية العالمية هزت أركان شركات اقتصادية كبرى، ودفعت برجال الأعمال إلى تقليل مخاطراتهم الاقتصادية، لا يبدو هؤلاء «الأثرياء الجدد» مكترثين كثيراً بتلك الإكراهات، ولا متضايقين كأقرانهم من هاجس البطالة. فهم يمارسون «تجارتهم المربحة» في عالم افتراضي، بعيداً من أعين الرقابة والضرائب، ويحققون أرباحاً طائلة، بمجرد كبسة زر. وبعد الأرقام المميزة للوحات السيارات، تحول الاهتمام إلى البحث عن رقم مميز للهاتف الجوال، وصولاً إلى ما يسمى «بين كود»، أو الرمز الخاص بهواتف بلاك بيري (BB PIN COD). وبذريعة «لن أكون أقل من ربعي»، يتسابق الشباب للحصول على أرقام مميزة، بحثاً عن التميز أو المباهاة وتسمى «كشخة» أمام أصدقاء وأقارب. ولا يضرهم أن يدفعوا لأجل ذلك أسعاراً خيالية قد تفوق 70 ألف ريال لأجل الحصول على رمز، في وقت لا يتعدى سعر جهاز البلاك بيري 2500 ريال قطري (الدولار يعادل 3.65 ريال). وال «بن كود» رمز تسلسلي يلجأ البعض للحصول عليه وإلى اقتناء مجموعة من الأجهزة، معولين على ضربة حظ، قد تحولهم إلى أثرياء، إن هم عثروا على رقم مميز، فيسارعون إلى الإعلان عنه في منتديات إلكترونية ومواقع خاصة، يشترط بعضها كشف الرقم التسلسلي قبل دخول «البورصة» وعرض منتوجهم لمن يدفع أكثر. إنه هوس آخر يسكن فئة عريضة من شباب غالبيتهم قطريون، وقد لا يجد بعضهم حرجاً في الحصول على قروض مالية من المصارف لدخول هذه البورصة المربحة، بينما تسكن آخرين «عقدة الدونية» من حيازة رقم تسلسل غير مميز، يظنون أنه يجعلهم أقل شأناً من «ربعهم». وحيثما وليت بصرك في الطرقات أو المجمعات التجارية أو السيارات، يستوقفك شباب وفتيات خاشعة عيونهم في أجهزتهم، لا يقوون على الاستغناء عنها، حتى وهم في زحمة السير أو اجتماع عمل، أو طابور مجمع تجاري. وسريعاً جداً، توارت المخاوف التي انتشرت في دول خليجية حول خطر ال «بلاك بيري» في فضح سرية البيانات الشخصية لأصحابه، ما جعل شركات الجوال تتسابق لتقديم عروض وتنزيلات مغرية، لا تتوقف على مدار السنة. ويعترف كثيرون من الشباب بأن جهازهم خطف تركيزهم، لا سيما في الدراسة، فلا يكاد الطلاب يغادرون الحصة الدراسية حتى تجدهم منعزلين يتابعون آخر الرسائل والصور والتعليقات. ومع موجة الاحتجاجات التي تشهدها بعض الدول العربية منذ مطلع العام الجاري، تضاعف الإقبال على متابعة النقاشات والتعليقات عبر ال «بلاك بيري»، وتحول الاهتمام إلى تنزيل آخر الأخبار، وصولاً إلى تبادل أفضل النكات والطرائف والصور الخاصة بالقادة المعزولين، والتي تعبر الحدود في ثوان. واحتل الزعيم الليبي معمر القذافي صدارة الشخصيات الأكثر إضحاكاً، لا سيما بعد تداول مقاطع فيديو عن دويتو يجمع العقيد بالمغنية شاكيرا في أغنيتها «وكا وكا» التي تحولت إلى «زنقة زنقة». لكن بعيداً من الطرافة التي تسعد البعض، والمكاسب المالية و «الكشخة» التي تستهوي عشاق الأرقام المميزة، تتعالى صرخات وشكاوى بعض الأولياء، من حجم الفواتير التي يتكبدونها جراء الخدمات التي تقدمها تكنولوجيات الاتصال الجديدة. فواتير تبدو خيالية لأبناء المقيمين، من محدودي أو متوسطي الدخل، لكنها تكون معقولة لدى غالبية الشباب القطريين. فتحميل مقطع فيديو أو صورة يكلف 10 ريالات، مقابل 5 ريالات لتحميل صورة على «فايسبوك» ما يرفع فاتورة الهاتف الى الضعف. ولأجل ذلك، يفضل كثيرون ال «بلاك بيري» على «آيفون» الذي لا يزال شحيحاً، بل مفقوداً في الأسواق، وحتى شركة الهاتف النقال «فودافون» تملك قائمة طويلة بأسماء الأشخاص الذين يطلبون اقتنائه، وتدون الشركة أسماءهم على أن ينتظروا دورهم في الطابور لتحصيل الجهاز الذي لا تقل تكلفته عن 3 آلاف ريال مع خط هاتفي، بينما قد تصل الفاتورة إلى 4 آلاف ريال أو أكثر لمن يقتني الجهاز من المجمعات أو المحلات التجارية الخاصة. ويشكو كثيرون من الأولياء من تنامي المنافسة بين شركات المحمول، والانتشار المذهل للأجهزة، وتحتل قطر المرتبة الثانية عربياً، بنسبة انتشار تصل الى 170 في المئة، ما جعل الشباب يدخلون في حالة انعزال وانطوائية ما جعل التواصل الاجتماعي داخل الأسرة الواحدة شبه منعدم. لكن الأولياء في الوقت نفسه، يجدون صعوبة في رفض طلبات أبنائهم باقتناء تلك الأجهزة في زمن باتت الشبكة الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي مصدراً معرفياً أيضاً.