بين متصل يسأل "يا شيخ هل يجوز أكل لحم البطريق؟"، وآخر يتسأل "يا شيخ أنا أحيانًا أقتل النمل بدون قصد وأنا أمشي.. هل عليّ شيء في ذلك؟"..يتبادر في أذهاننا تساؤل إلى أي مدى كانا السائلين يبحثان عن تضييق المدى عليهما وعلى الناس جميعاً رغم الآية القرآنية الصريحة: (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم). من يستمع لهذه الأسئلة المطروحة على بعض المفتين خلال البرامج الدينية في القنوات الفضائية يتبادر إلى ذهنه استغراب حول الثقافة الدينية التي يمتلكها هؤلاء، رغم أن المملكة تُكثف المناهج الدينية في كافة مراحل الدراسة، إلاّ أن ذلك لم يمنع من تكرار مثل تلك الأسئلة غير المنطقية، وأكثر الشعوب طلباً للفتوى، وبالرغم أيضاً من تعددية مصادر المعلومات، فأصبحت هناك أسئلة تتردد بشكل ممل، لا سيما تلك الأسئلة التي يغلب عليها "الوسوسة" والحرص تفاصيل هامشية غير مهمة ولا تؤثر. ومع هذا هناك من يسأل عن أمور عديدة بالرغم من كمية العلم الموجودة لديه، وفي أمور لا ينبغي السؤال عنها والتضييق على المسلمين، والاستخفاف بالدين عن طريق ربط جميع الأمور فيه، ف"الدين دين يسر وليس عسر"، ولم يشرع للتضييق، فهناك العديد من الأسئلة المطروحة تأتي في تفاصيل التفاصيل.."الرياض" تسلط الضوء على نماذج تلك الفتاوى التي طرحت على بعض العلماء على الهواء مباشرة. استفسر أحد المتصلين على برامج "الافتاء" قائلاً: "يا شيخ أنا ادخل بالجوال في دورة المياه ومخزّن فيه القرآن الكريم، هل يجوز ذلك؟"، فأجابه الشيخ ب"لا بأس"، فكرر السائل السؤال وزاد: "لكن القرآن مخزّن فيه"، فرد الشيخ: "يا أخي لا بأس.. هو محفوظ في ذاكرة الجهاز"، فزاد السائل إلحاحاً: "هذا القرآن ياشيخ هل يجوز أن يدخل دورة المياه؟"، حتى أقنعه الشيخ بسؤاله عن إذ كان يحفظ شيئاً من القرآن الكريم، فأجابه السائل بأنه يحفظ الكثير، فقال له الشيخ: "خلاص إذا بغيت تدخل دورة المياه خل مخك برا"!، ولم يكن ببعيد ذاك السائل الذي قال: "هل يجوز يا شيخ أكل لحم البطريق؟" فكانت إجابة الشيخ: "إذا لقيته كله"!، فيما كان تساؤل أحد المتصلين طريفاً: "يا شيخ أنا أحيانًا أقتل النمل بدون قصد وأنا أمشي، هل علي شيء في ذلك؟"، فما كان من الشيخ إلاّ أن أجابه بأنه ليس عليه في ذلك شيء مطالباً بعدم السؤال عن أشياء إن تبد لهم تسؤهم. وهناك من يسأل أسئلة تضيق على الناس، مثل ذاك السائل الذي يبحث عن حكم ارتداء القبعة التي لها مظلة "كاب"، فأجابه أحد المشايخ بأن ذلك لا يجوز، لأن فيها تشبه بالكفار، وآخر يسأل عن حكم تصفح المرأة للأنترنت، فأصدر ذلك الشيخ فتوى تحّرم تصفح المرأة ل"النت" في ظل غياب المحرم، ودرءاً للمفاسد، ولأن المرأة عاطفية!. وسأل آخر بحث لنفسه مخرجاً بفتوى تؤكد له بأن طلاقه لزوجته لم يقع، فكان سؤاله: "يا شيخ أنا طلّقت زوجتي وكنت في وقتها في حالة غضب والحين كيف أرجعها" فكان جواب الشيخ العالم حكيماً عندما قال: "ياخي كل اللي يطلقون وهم في حالة غضب، أنت قد شفت أحد يطلق زوجته وهو جالس يأكل فصفص؟"، وليس ببعيد عن ذاكرتنا تلك الفتاوى التي كانت تجّسد سفاسف الأمور تجاه الأحذية المكومة لدى الأبواب، عندما يقول العوام: "خل أرضية النعال على الأرض.. في وجه الشيطان.. لا تصير مقلوبة في وجه السماء"، فضلاً عن تكرار الأسئلة في برامج الفتوى، لا سيما في سؤال النساء الأزلي: "ما هو حكم تشقير الحواجب" والذي علّق حوله أحد المشايخ مازحاً: "لو أخذت ريال على كل سائلة سألتني هذا السؤال لأصبحت غنياً"!. نحن بشر نحمل عقولاً قادرة على التفكير قبل السؤال، والبحث عن الإجابة في المراجع ومصادر البحث ومواقع النت الرسمية، أما تلك الفتاوى وغيرها لا تعد ولا تحصى، أصبحت تنفر من الاستماع لتلك البرامج المفيدة؛ بسبب تكرار تلك الأسئلة التي تضيق على الناس، وتقلل من فائدة استماعهم.