عاد الجدل الساخن، في موسكو، حول الحقبة السوفياتية إلى الصدارة بعدما أصدرالقضاء الروسي أمس حكما"تاريخياً"برد الاعتبار إلى آخر القياصرة الروس نقولا الثاني وأفراد عائلته الذين قتلوا على ايدي البلاشفة. واضاف القرار إلى ملف مقتل عائلة رومانوف المالكة العام 1918 غموضا، بعدما اختلط فيه المغزى القانوني بالدلالات السياسية في مرحلة تشهد تصاعد المشاعر القومية ومحاولات للتركيز على أمجاد روسيا الغابرة. "هذا قرار انتظرته روسيا تسعين عاما". بهذه الكلمات علق غيرمان لوكيانوف محامي عائلة رومانوف على قرار المحكمة العليا في روسيا، والذي استند إلى نص في القانون الروسي الجديد يقضي برد الاعتبار إلى كل من تعرض للملاحقة والاضطهاد خلال العهد السوفياتي على أسس طبقية أو اجتماعية أو دينية. وبحسب الحكم الذي تلاه كبير القضاة في روسيا، لم تستند العملية التي نفذت ليل 17 تموز يوليو العام 1918، وأدت إلى مقتل القيصر نقولا الثاني وزوجته الكسندرا واولاده اليكسي وأولغا وتاتيانا وماريا وأناستاسيا وطبيب القيصر وعدد من أفراد حاشيته، لم تستند إلى أساس قانوني ما يعني أنه يمكن اعتبارها ضمن ممارسات التنكيل والاضطهاد التي تعرض لها معارضو الحكم البلشفي. ومعلوم أن مجموعة من البلاشفة نفذت في تلك الليلة حكم الإعدام الذي أصدرته على عجل لجنة السوفيات في مدينة يكاتيرينبورغ في منطقة الأورال. وتم دفن جثامين الضحايا في مقبرة جماعية ظلت مجهولة طيلة فترة حكم الشيوعيين حتى عثر عليها العام 1991. وتشير الرواية التاريخية إلى أن قيادة البلاشفة في سان بطرسبورغ تلقت تقريرا في اليوم التالي عن الإعدام وأيدته، في حضور الزعيم البلشفي فلاديمير لينين. وتكمن أهمية سرد هذه الملابسات في أنها شكلت عنصر الخلاف الأساسي الذي أعاق صدور قرار رد الاعتبار الى القيصر وأفراد عائلته مدة ثلاثة اعوام رفض خلالها القضاء تلبية طلب محامي عائلة رومانوف، لأن الحادث"لا يزيد على كونه مجرد جريمة قتل عادية ارتكبها موظفون صغار". فيما يشير الدفاع إلى أن عنصر الملاحقة والتنكيل بحق عائلة رومانوف"واقع معترف به"، وأن صدور قرار القتل في يكاتيرنبورغ لا يعفي قيادة البلاشفة من المسؤولية، لأن لجنة المدينة تشكلت بقرار من مجلس السوفيات الأعلى. ويعتبر الخبير القانوني والناشط في مجال حقوق الإنسان أرسيني روغينسكي ان رد الاعتبار إلى عائلة رومانوف سيؤدي إلى"إعادة النظر بشكل جذري في طريقة التعامل مع تاريخ روسيا خلال القرن العشرين". والمشكلة الحالية برأيه تكمن في عدم رغبة كثيرين في روسيا بفقدان التوازن الهش القائم حاليا في الوعي التاريخي، ما يعني أن الإصرار على صدور القرار برد الاعتبار الى القيصر يجب أن يعني"الطلاق نهائيا مع مرحلة مضت"، لأن روسيا"لا يمكنها التقدم إلى الأمام وهي تحمل وزر الماضي القاتم". لكنه شكا في الوقت ذاته من أن نص القرار لم يحمل تقويما قانونيا يستدعي تدابير أخرى، فهو لم يسم عملية قتل القيصر وأفراد عائلته جريمة، ولم يعط جوابا حول تحديد المتهمين بارتكابها، وضرورة نصب محكمة تاريخية لهم. فصيغة القرار التي منحت القيصر براءة منقوصة تجاهلت عن عمد، كما يقول أحد القانونيين،"تسمية قتلته حتى لا تفتح على باب يصعب سدها". لكن في المقابل اعتبر آخرون أن القرار جاء في التوقيت الصحيح وحمل مغازي ودلالات مهمة، فهو أولا رسالة إلى الغرب بأن روسيا خلفت وراءها تاريخ الملاحقات السياسية والتنكيل ولن تعود إليه أبدا، وداخليا تبدو للقرار دلالات مهمة في مرحلة تتزايد فيها النزعات القومية بروزا، وتميل فئات كثيرة إلى استرجاع الأمجاد الغابرة والمرتبطة في أذهان ملايين بمشاعر العزة القومية وبالكنيسة الأرثوذكسية التي ردت الاعتبار منذ أواسط تسعينات القرن الماضي الى القيصر، واعتبرت أن قرار المحكمة الأخير يعد"إنصافا للعدالة التاريخية وإعادة لإحياء تراث ألف عام من التقاليد الروسية العريقة".