الصين، هي القوة العالمية الكبرى الثانية المرشحة لأخذ الدور القيادي الذي تمارسه الولاياتالمتحدة الأميركية على امتداد القارات الخمس، منذ الحرب العالمية الأولى وعلى الأخص بعد الحرب العالمية الثانية، وبالتالي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة، في حال استمرار تدهور الأوضاع الأميركية داخلياً وخارجياً، وانتهاء الأسطورة التي تمثلها واشنطن تاريخياً. والكلام على تاريخ الولاياتالمتحدة الأميركية وتطور أوضاعها طويل ودقيق، لدى المقارنة بين وجوه التقدم العام الذي حققته وسبقت سواها إليه، لا سيما في الصناعات العسكرية والفضائية، غير انه لا يكفي حالياً لتوفير الاطمئنان القريب، فكيف بالبعيد، للتدهور الحاصل في صورتها العامة، عقارياً ومالياً، في الداخل، وتجارياً وعسكرياً في الخارج. وتتحمل إدارة الرئيس جورج بوش الابن المسؤولية مرحلياً عن الكارثة التاريخية والكونية المتوقعة ما يصنع من النظام الصيني الماركسي الماوي المتطور تجارياً ومالياً، قوة تضع البشرية أمام خيارات غير منتظرة. ومع استبعاد حلول بكين، محل واشنطن في تزعم السياسة الدولية، وللصين نفوذ كبير داخل الاقتصاد الأميركي ناتج من الودائع المالية الصينية الضخمة بالدولار، فإن الهند، ذات التراث الديموقراطي العريق والنظام السياسي المستمد منه، قد تحلم بدور قيادي الى جانب الصين أو معها، إذا تحقق السقوط الأميركي، ولكن الطموحات القارية على صعيد الدول الكبرى ستستوجب قيام صدامات بين بكين ونيودلهي، وهي صدامات لن تترك روسيا الاتحادية التي تستعيد قوتها الذاتية، مالياً واجتماعياً وعسكرياً في حالة تجاهل للواقع الأممي الرهيب، فيصبح الصراع لأجل التفوق مرهوناً بالأخطار الذرية والنووية، ويبقى امام أوروبا الاتحادية ذات المنجزات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الواضحة، أن تتحرك، مع روسيا الاتحادية، ربما في تحالف واسع يستخدم الحلف الأطلسي - وأميركا حتى الآن، هي العضو الأقوى داخل مؤسساته ? لمنع قيام حرب كونية تقضي على الإنسانية بكاملها، أو منع تسلط تحالف جديد يقوم بين دول الشرق الأقصى، ويمتد الى الشرق الأوسط، فالشرق الأدنى، فالبحر المتوسط ودوله، على اتساع الضفتين، دون معرفة مسبقة بتوازن القوى وباختلالها عندئذ، على ضوء الثروات الطبيعية في بلدان آسيا وافريقيا، والانقلابات الوطنية أو الإقليمية التي يسببها ذلك، في المناطق الأميركية نفسها بين دول أميركا الوسطى وأميركا الجنوبية، وهو مسلسل من الافتراضات رهيب تعجز الأممالمتحدة عن التغلب عليه، لأنها تكون قد شلت أو تفككت. وهذا التطور في طبيعة المرحلة المقبلة مرهون بإرادة الناخب الأميركي قبل كل شيء، وبالشجاعة المطلوبة لدى الرئيس الجديد للعمل بنزاهة وصدق للتكيف مع المستجدات ومصارحة الرأي العام الأميركي والرأي العام العالمي بحقيقة اهداف السياسة الأميركية الخارجية. والانتقادات التي توجه حالياً للإدارة الأميركية في شأن اخطائها المدمرة، للمصالح الدولية كلها، وليس للمصالح الأميركية وحدها، يأتي من الخصوم علناً، ولكنها تأتي عملياً في صمت وهدوء من أصدقاء الولاياتالمتحدة الذين يتعاملون وإياها منذ عشرات السنين أي منذ استقلال بلدانهم، إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية، ظلت عديمة النتائج ما دامت السياسة الأميركية لم تتغير وصارت الحكومات الصديقة تخشى على انظمتها من الطيش الفتاك الذي تندفع إليه واشنطن بأخطائها دون الإقرار الحقيقي بحصول الأخطاء. إن الولاياتالمتحدة الأميركية قوة كبرى تمثل شعباً طموحاً كبيراً، وينبغي لكل بلد صديق لها، وكل سياسي أو مفكر، خارج نظام حكمها، ان يسعى الى تقديم النصح العاجل القادر على التأثير في مجرى سياستها العامة الخارجية والداخلية. وأمام ضعف الحكام أو المفكرين، منفردين، وعدم قدرتهم على جعل الإدارة المأزومة تصغي الى الحلول التي يقترحونها فلماذا لا تقوم حركة تعاون وتنسيق واسعة هدفها إيصال صوتها الى داخل مجلس الأمن، والأجدى الى داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة بحيث تدعى الدول الأعضاء في المنظمة العالمية للبحث والتفكير بعقد مؤتمر دولي هدفه حماية الأميركيين من أخطاء حكامهم، ومساعدتهم على إنقاذ أميركا، خدمة لشعبها وشعوب العالم كله. لماذا لم يتحرك أهل الرأي الواعي بين قادة العالم في هذا الاتجاه، ويتطلعون الى واشنطن بنظرة الصديق، الذي يريد حماية المخطئ من نفسه، وحماية الكرة الأرضية معه، قبل ان تؤدي الأخطاء الى انهيار أوسع وأكبر ويتزعزع معه النظام العالمي؟ هناك حكومات كثيرة في العالم، تريد الخير والسلام للشعب الأميركي ولكن قادة اميركا لا يصغون لقادة تلك الحكومات بل يجعلونهم في وضع حرج ومرتبك امام مواطنيهم وأمام مواطني البلدان الأخرى، كما ان هناك اصوات المفكرين غير المنحازين الذين ينتقدون السياسة الأميركية، كما ينتقدون أي سياسة أخرى لدولة كبرى أو صغرى، ولا هدف لهم سوى إنقاذ الكرة الأرضية من الويلات المحيطة بها، على صعيد تلوث المناخ، ونقص المواد الغذائية والطبية، للشعوب المحتاجة، والحروب المستحيلة التي تخوضها اميركا فتهدد أمنها الذاتي، على المدى البعيد، من خلال توهمها بحمايته إذا هددت امن الآخرين، وهي ظواهر بالغة القلق الجماعي والأممي، وتستدعي التفكير العميق والعاجل بعقد المؤتمر الدولي المنشود، بغية مساعدة واشنطن على تحرير سياستها من وطأة العقليات المسيطرة عليها، وفي ذلك مصلحة حقيقية للشعب الأميركي وشعوب العالم. * كاتب لبناني.