نقول في لبنان "أبقاش بدّا. قوموا تا نّهنّي" عندما يتضح أن مرشحاً ما في طريق الفوز وتصبح المعارضة نوعاً من العناد أو الحمق. في الولاياتالمتحدة أظهرت استطلاعات الرأي العام أن باراك أوباما أصبح يتقدم على منافسه جون ماكين في معركة الرئاسة الأميركية بفارق 10 في المئة، وهي نسبة لو بقيت حتى يوم الانتخابات في أول ثلثاء من الشهر المقبل فستعني ان يكتسح الديموقراطيون مجلسي الكونغرس أيضاً. تقدم أوباما لا يعود لشيء قاله أو فعله، أو لخطأ ارتكبه ماكين، أو لفضيحة أخرى تلاحق سارة بالين، المرشحة الجمهورية لمنصب نائب الرئيس، بعد محاولتها طرد شرطي في الاسكا طلَّق أختها، ثم طرد رئيسه لأنه رفض أن يطرده. أوباما متقدم لأن الأزمة المالية الأميركية، ثم العالمية، مفصلة على قياسه، فمع أن ادارة بوش ليست مسؤولة مباشرة عن انفجار الأزمة، إلا أنها مسؤولة مرتين بعد الانفجار، فهي أولاً عرضت حلولاً غير مدروسة اضطرت لاحقاً الى تعديلها، وهذاما قاله خبراء أميركيون في أبرز الصحف الأميركية، وهو بالتالي ليس رأيي الشخصي، وثانياً فالرئيس بوش أفلس البلاد وعندما وقعت الأزمة لم يجد مالاً يستعمله، وعرض حلاً قوامه 700 بليون دولار لا بد أن تطلع من"جِلد"دافع الضرائب الأميركي، ما يعني أن الأميركي من الطبقة المتوسطة أو الفقيرة سيدفع ثمن جشع اللاعبين الكبار في البورصة والمضاربين والسماسرة واللصوص. يسرني كثيراً أن يتقدم أوباما على ماكين، فهو أفضل منه كثيراً للولايات المتحدة، وأيضاً في سياسته الخارجية، إلا أن عرباً كثيرين ومسلمين يفضلون أوباما، ربما لأن اسمه الأوسط حسين، وهم يعتبرونه"ولدنا". لا أريد أن أحاسب أوباما على كلمة قالها في الحملة الانتخابية أو موقف وقفه، لأنه سيقول أي شيء يعتقد أنه سيجعله يفوز بالرئاسة، وهو عدّل مواقف كثيرة في السنة الأخيرة، بل غيَّر بعضها تماماً، ولا بد من أنه سيدخل تعديلات أكثر على سياسته بعد دخول البيت الأبيض. غير ان المشكلة مع أوباما أنه"متهم"، لذلك فهو قد يبالغ في بعض المواقف لنفي التهمة، وكلامه في مؤتمر اللوبي اليهودي ايباك كان أكثر تطرفاً في تأييد اسرائيل من هيلاري كلينتون وجون ماكين، فهما أيضاً تعهدا بضمان أمن اسرائيل، إلا أنهما لم يطلبا نقل السفارة الأميركية الى القدس، لأن نقلها يعني نهاية العملية السلمية. كذلك بالغ أوباما في موقفه من ايران، فهو قال انه مستعد للتفاوض، وهاجمته الإدارة وعصابة الحرب من محافظين جدد وأميركيين ليكوديين، وأصبح يؤكد ان كل الاحتمالات باقٍ على الطاولة، ويتحدث عن أمن اسرائيل كأن قنبلة نووية ايرانية أو اثنتين تهددان وجودها، مع ان تسيبي ليفني نفسها قالت إن لا خطر على وجود اسرائيل من قنبلة ايران. وهو استمر في المزايدة على اليمين الجمهوري في أزمة القوقاز الأخيرة وتحدث مثل أي متطرف زاعماً أن روسيا اعتدت على جورجيا مع ان الثابت ان جورجيا غزت أوسيتيا الجنوبية، وردت روسيا عليها أرجّح ان عصابة الحرب الأميركيين والليكوديين دفعوا حليفهم الرئيس ميخائيل ساكاشفيلي الى المواجهة، فدفع الثمن، ولا أعرف إذا كانت لذلك علاقة باستخدام اسرائيل أراضي جورجيا في ضربة جوية قادمة محتملة للمنشآت النووية الإيرانية. أرجو ألا ينسى القارئ العربي أو المسلم هذه المواقف لأوباما وهو يؤيده، ثم أؤكد لهذا القارئ مرة أخرى أن أوباما أفضل ألف مرة للرئاسة من ماكين الذي يريد إحياء الحرب الباردة، واقحام الولاياتالمتحدة في حروب جديدة، مع استمرار الموجود منها، فلا حل عنده لأي مشكلة سوى الحرب، وسأتناول سياسته خلال أيام. لو كنت أميركياً لانتخبت أوباما، وللأسباب نفسها التي تظهر الاستطلاعات ان الناخبين الأميركيين يفكرون فيها، فهم سئموا من الحروب، وقد جاءت الأزمة المالية وموقف الديموقراطيين منها أفضل ولو من زاوية أنهم لا يمكن أن يحملوا المسؤولية عنها. الانتخابات بعد ثلاثة أسابيع، ولا أجد سبباً لتوقع أن ينقلب الوضع الانتخابي الأميركي في شكل يُمكِّن ماكين من اللحاق بأوباما، فأقول"قوموا تا نّهنّي".