إذا قسمنا عمل الرئيس باراك أوباما الى قسمين، داخلي وخارجي، نجد أنه تجاوز أصعب تحديات السياسة الداخلية باقرار مشروع الضمانات الصحية، وهو الآن يستعد لمواجهة أصعب التحديات الخارجية، أو عملية السلام في الشرق الأوسط، وأجدها أصعب كثيراً، فلو كنت مقامراً لراهنت على فشله، مع أنني أتمنى له النجاح. داخلياً، هو الآن يريد إصلاح القوانين المالية التي أطلقها من كل عقال رونالد ريغان ومارغريت ثاتشر، وتبعهما جورج بوش الابن، فتسببت في الأزمة المالية العالمية المستمرة. إلا أن إصلاح هذه القوانين يبدو وكأنه صعود تلة بالمقارنة مع قمة أفرست التي ارتقاها وهو يعمل للضمانات الصحية، فهذه لم يؤيدها عضو جمهوري واحد في الكونغرس، في حين أن إصلاح القوانين المالية جهد مشترك للحزبين الديموقراطي والجمهوري، كما أن الرئيس أوباما زار نيويورك وطلب من أركان المال والأعمال فيها عدم دعم أي «لوبي» ضد الاصلاح إلا إذا كان عملهم حلْب (بمعنى مص دماء) الناس المتعاملين معهم. في الشؤون الخارجية كان توقيع معاهدة خفض الأسلحة الاستراتيجية مع روسيا تلة أخرى بالمقارنة مع أفرست عملية السلام، ووجود حكومة فاشستية في اسرائيل يدعمها لوبي معروف، ولاؤه الوحيد لإسرائيل وعلى حساب مصالح أميركا. هل هناك من علاقة بين قضايا تبدو في ظاهرها وكأن لا علاقة بينها؟ قبل أن أجيب أريد أن أسجل رغبة أوباما المعلنة في عالم خالٍ من الأسلحة النووية، وأن الاتفاق مع روسيا تزامن مع صدور «عرض الموقف النووي»، وهو تقرير يشرح سياسة الإدارة ازاء الأسلحة النووية، وتبعه اجتماع ضم 47 بلداً للحد من انتشار الأسلحة النووية ومنع وصولها الى ايدي الإرهابيين (ثمة حاجة الى مؤتمر لمنع وصول الأسلحة الكيماوية والبيولوجية أيضاً الى أيدي الإرهابيين)، وهناك مؤتمر في الأممالمتحدة يضم الدول الأعضاء كلها، أي 192 دولة، لمراجعة معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. كل ما سبق لا يلغي أنه يبقى لدى أميركا وروسيا أكثر من عشرة آلاف رأس نووي كل منها قوته أضعاف قوة قنبلة هيروشيما، وأن إسرائيل والهند وباكستان لم توقع معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية وأن كوريا الشمالية انسحبت منها سنة 2003. وأعود الى السؤال عن العلاقة بين قضايا تبدو ولا رابط بينها، وأذكّر القارئ بأن أوباما يريد عالماً خالياً من الأسلحة النووية وأقارنه بسلفه الذي وقعت إدارته سنة 2008 صفقة مع الهند لاستخراج اليورانيوم من الوقود النووي الأميركي المستهلك، ما أثار معارضة شديدة وباقية من باكستان. واليوم نجد أن هناك، إضافة الى المخزون النووي الهائل لدى أميركا وروسيا، مئات القنابل النووية عند فرنسا وبريطانيا والصين، وأيضاً إسرائيل وباكستان والهند، والدول الثلاث الأخيرة لم توقع معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وربما توجد قنبلتان نوويتان أو ثلاث لدى كوريا الشمالية. غير أن الحديث النووي كله يكاد أن يكون قصراً على إيران التي لا تملك سلاحاً نووياً... بعد، وهنا العلاقة، ففي كل مرة يقول فيها باراك أوباما «الحل السلمي» يقول بنيامين نتانياهو «إيران»، وواضح للعالم كله باستثناء لوبي إسرائيل والليكوديين الأميركيين أن إيران عذر لعدم السير في السلام مع الفلسطينيين. القلق الأميركي من وصول أسلحة دمار شامل الى أيدي الإرهابيين مبرر تماماً، وقد حذرت منه في هذه الزاوية مرة بعد مرة، وكتبت إن رفض إسرائيل السير في عملية السلام يعني أنه سيأتي يوم يحصل فيه إرهابيون، من القاعدة أو غيرها، على قنبلة نووية أو مواد بيولوجية أو كيماوية ويستعملونها. وكنت سأؤيد جهد الإدارة الأميركية ضد إيران لو أنه يشمل الخطر الأكبر الذي تمثله الترسانة النووية الإسرائيلية، فهي في أيدي مجرمي حرب من عصابة قتل واحتلال. وبالنسبة الى الولاياتالمتحدة تحديداً يفترض أن يكون البرنامج الإسرائيلي أهم، أولاً لأنه موجود ويشجع دولاً في المنطقة على امتلاك سلاح نووي لمواجهته، وثانياً لأن إسرائيل تتجسس على الولاياتالمتحدة وقضية جوناثان بولارد معروفة وقد أوقعت أكبر ضرر في الاستخبارات الأميركية، خصوصاً في أوروبا الشرقية، حيث اعتقل العملاء الأميركيون وقتلوا، وثالثاً لأن اسرائيل تتلقى مساعدات أميركية عسكرية واقتصادية، ما يعني أن الولاياتالمتحدة تساعدها ضد مصالحها المباشرة في الشرق الأوسط وخارجه، كما قال قائد القيادة المركزية الجنرال ديفيد بيتريوس. أعتقد أن لوبي اسرائيل وأعضاء الكونغرس الذين وضعهم اللوبي في جيبه، والليكوديين من أميركيين، يخونون بلدهم لمصلحة بلد لصوص ومجرمي حرب سيهزمون باراك أوباما في النهاية، رغم ذكائه وجهده ومثابرته، فعصابة الشر الإسرائيلية في واشنطن لا تزال أقوى حتى إشعار آخر، والسلام في الشرق الوسط قمة لن يرقاها الرئيس الأميركي. [email protected]