يقوم التلفزيون بدور مؤثر وقوي، في سباق الرئاسة الأميركية، ولعل هذه القوة وذلك التأثير يظهران جلياً في المناظرات التي تجرى على الشاشة الصغيرة. محطات التلفزة، بالطبع، تلعب أكثر من دور من خلال بث البرامج، والتقارير، والريبورتاجات، والحوارات، والأخبار المتعلقة بهذا المرشح أو ذاك، غير أن الفسحة، الأكثر قدرة على رجحان كفة أحد المرشحين، تتمثل في المناظرات التلفزيونية التي باتت تقليداً يصاحب سباق المتنافسين للوصول ليس فقط إلى البيت الأبيض في واشنطن، بل كذلك للوصول إلى"10 داونينغ ستريت"في لندن، والى قصر الأليزيه في باريس... وسواها من رموز السلطة في هذا البلد أو ذاك. فن المناظرة، في حد ذاته، ليس جديداً، ففي التراث العربي سمعنا وقرأنا عن مناظرات واقعية أجريت بين البشر، وكذلك عن مناظرات خيالية صيغت على ألسنة الحيوان والطير والنبات والجماد... وكان لهذه المناظرات أغراض سياسية، ودينية، وتعليمية، وتربوية شتى، بيد أن رقعة انتشارها كانت محدودة، وتكاد تقتصر على الحاضرين أثناء عقد تلك المناظرات، أما المناظرات التي تقام اليوم، كتلك التي نشاهدها على شاشة التلفزة بين المرشح الديموقراطي للرئاسة الأميركية باراك أوباما، والجمهوري جون ماكين، فإن رقعة انتشارها تمتد لتشمل الكرة الأرضية. التلفزيون يتيح لكل مرشح أن يقول ما يشاء، ولا شك في أن المرشح يستغل المساحة المعطاة له كي يظهر نفسه بأبهى صورة، وهنا يلجأ إلى المبالغة، وأحياناً إلى"الكذب"حتى ينال رضى الناخب الأميركي، وفي الوقت الذي يوفر التلفزيون هذه"الحرية غير المشروطة"، فإنه، ومن حيث لا يقصد، يظهر كذلك العيوب، والنواقص... كل حركة، ونأمة، وإشارة لها دلالات، وكل ابتسامة أو قلق أو حيرة لها أبعاد... ولا يسعف المرشح، آنذاك، الحديث المنمق، والخطب الرنانة... فصورته، وهو يتحدث على الملأ، تنطوي على جوانب سلبية وأخرى إيجابية، ومهما تحلى المرشح بالرزانة، والجَلَد، فإن زلة لسان عابرة قد تقصيه بعيداً من الرئاسة، كما أن شكل ربطة العنق قد يفقده الكثير من الأصوات، كما حدث، مثلاً، مع الرئيس الأميركي الحالي جورج بوش عندما أثار وجود نتوء في ظهر سترته خلال مناظرة تلفزيونية شائعات بأنه كان يتلقى مساعدة للإجابة عن الأسئلة من طريق دائرة سلكية. من الصعب، إذاً، على المرشح أن يضبط الصورة على النحو الذي يرغب، ولئن بالغ في ضبط كلامه وحركاته، فإن هذه الصرامة المفرطة قد تعطي نتائج عكسية، وفي المقابل إذا ما بدا متراخياً، متواضعاً، بسيطاً، فإن لذلك أيضاً نتائج قد لا تكون في صالحه. على المرشح في المناظرة السعي إلى التوفيق بين الشدة والاعتدال، بين الانفعال والارتياح، بين الابتسامة والتجهم، بين الكبرياء والتواضع... ولا شك في أن هذا يتطلب مهارات خاصة، وقدرات فائقة تعين المرشح على إيجاد انطباع طيب عن نفسه، وعن برنامجه الانتخابي، وعن سنواته الأربع القادمة في مركز صنع القرار. ثمة فواصل دقيقة، وحساسة، تكاد تكون خفية، بين الصورتين قد يصعب على المرشح الجمع بينها، ما يدفعنا إلى القول إن المناظرة التلفزيونية هي نعمة لمرشحي الرئاسة، ونقمة في الآن ذاته.