سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الشرطة تتوعد "المشاغبين" من العرب واليهود وسط دعوات الى التهدئة وقمع الفلسطينيين . هدوء حذر يخيم على عكا بعد الصدامات وانتشار أمني كثيف تحسباً لهبة جماهيرية
عاد الهدوء المشوب بالتوتر إلى مدينة عكا شمال إسرائيل أمس بعد يومين من الصدامات العنيفة بين مواطنيها اليهود والعرب، في أعقاب"تجرؤ"شاب عربي على قيادة سيارته"يوم الغفران"اليهودي الذي تُشل فيه الحياة تماماً في إسرائيل، ليتعرض إلى اعتداء سرعان ما تحول إلى صدامات بين المئات من العرب واليهود. ورفعت الشرطة الإسرائيلية حال التأهب في صفوفها وزادت عديد قواتها لتنتشر في المدينة الفلسطينية العريقة التي غدت بعد قيام إسرائيل مدينة مختلطة، ثلثا سكانها من اليهود والثلث الثالث من فلسطينيي عام 1948. كما انتشرت في محيط عدد من المدن المختلطة والبلدات العربية لمنع هبة جماهيرية واسعة في أنحاء المجتمع الفلسطيني في الداخل كما حصل في تشرين الأول أكتوبر 2000 وتزامن مع اندلاع الانتفاضة الثانية، وهي هبّة ما زالت تداعياتها ونتائجها بشهدائها العرب ال 13 حاضرة بقوة في أذهان العرب. وطغت"أحداث عكا"على اهتمامات الأوساط السياسية بمشاربها المختلفة، كما تصدرت عناوين وسائل الإعلام كافة. وجاءت ردود الفعل من الجهات السياسية متباينة تراوحت بين الدعوة إلى استعادة الهدوء والحفاظ على علاقات الجيرة بين الشعبين، وبين دعوة أقطاب في اليمين المتطرف الشرطة إلى قمع تظاهرات العرب ودعوة الحكومة إلى"تقديم معالجة قضية العرب في إسرائيل بالقوة على سائر القضايا". وحصى الطرفان نحو 20 جريحاً وأضرار اً بعشرات السيارات. ومددت الشرطة أمس اعتقال عشرة اشخاص عرب ويهود يشتبه في أن لهم ضلعا في الأحداث. الغاء مهرجان عكا المسرحي وأعلن المجلس البلدي في عكا صباح أمس انه في ضوء"الأحداث العنيفة"سيتم إلغاء"مهرجان عكا المسرحي"السنوي الذي كان مقرراً الأسبوع المقبل، تفادياً لتجدد الصدامات. وجاء في البيان:"في ظل أجواء الغضب التي تعم المدينة، لا يريد أي منا المجازفة بإقامة المهرجان". ودعا رئيس الحكومة المستقيل ايهود اولمرت السكان في عكا إلى الهدوء وإلى بذل كل ما في وسعهم"من أجل تهدئة الخواطر وإعادة الحياة إلى مجاريها". وقال في بيان أصدره مساء أول من أمس إن"التعايش السلمي بين اليهود والعرب اساسي، وعلينا ان نفعل كل شيء كي تعيش المجموعتان جنبا إلى جنب". من جهتها، اتصلت وزيرة الخارجية المكلفة تشكيل حكومة جديدة تسيبي ليفني برئيس بلدية عكا شمعون لانكري وعبرت عن قلقها من الأحداث"خصوصاً أن عكا معروفة كمدينة تحافظ على التعايش، ولن نسمح لأولئك المتطرفين المنفلتين بصورة منهجية في السنوات الأخيرة باستغلال كل فرصة لتحريض الجمهور". وأعلن وزير الأمن الداخلي آفي ديختر الذي زار عكا أمس أن الشرطة ستعرف كيف تعتقل"المشاغبين"وتقدمهم للعدالة، مضيفاً بلغة تهديدية أن الشرطة ستحقق ايضاً في الدعوات التي صدرت من المساجد لسكان عكا العرب ليهبوا إلى الشوارع لنصرة العائلة العربية التي تعرضت الى اعتداء اليهود مساء الأربعاء. وأضاف مستدركاً أنه سيتم ايضاً التحقيق في الدعوات للمواطنين اليهود بحمل السلاح لمواجهة المواطنين العرب، واعتبرها دعوات تحريضية. ودافع ديختر عن الاتهامات الموجهة من اليهود والعرب الى شرطة عكا على خلفية قصورها بنظر اليهود وقمعها بنظر العرب، وقال إنه لم تكن لدى الشرطة معلومات استخباراتية مسبقة عن النية بإثارة إخلال في النظام العام في عكا عشية"يوم الغفران"، معتبراً أن ما حصل"كان حدثاً مفاجئاً وسريعاً". وتابع أن الشرطة أحسنت التصرف في وقف الصدامات، وأن"أفرادها شكلوا بأجسادهم حاجزاً بين اليهود والعرب، والدليل على ذلك عدم وقوع خسائر في الأرواح"، وأن معظم المصابين بجروح هم من أفرادها. ودعا ديختر رجالات المدينة اليهود والعرب إلى تهدئة الخواطر"لأن العرب واليهود سيواصلون العيش في عكا جنباً إلى جنب كما في الدولة كلها، والأمر متعلق بالغالبية العقلانية التي ستعمل كل مستطاع من أجل مواصلة التعايش معاً باحترام، جنباً إلى جنب". من جهته، دعا زعيم حزب"اسرائيل بيتنا"اليميني المتطرف افيغدور ليبرمان الى قمع"العرب الاسرائيليين"الذين قال انهم"يقومون بانتفاضة جديدة في قلب اسرائيل"، متهما اياهم بارتكاب"مجازر"ضد اليهود. واعتبر النائب من حزب"شاس"الديني ديفيد أزولاي الذي يسكن في الحي الذي وقعت فيه الصدامات أن ما حدث"كان اعتداء من جانب العرب على اليهود". ودعا إلى أن تأخذ الجموع اليهودية القانون بيديها على غرار المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية. من جهته، حمل النائب العربي محمد بركة الحكومة الإسرائيلية والشرطة المسؤولية عن انفلات"العصابات اليهودية الفاشية"ضد المواطنين العرب في مدينة عكا. وقال في بيان عممه إن"الشرطة تتواطأ وبدعم جهات عليا، لإفساح المجال أمام هذه العصابات لتنفيذ جرائمها وتصعيد المضايقات ضد أهالي عكا العرب، أهالي المدينة الأصليين، الذين يتعرضون بشكل دائم لمضايقات واعتداءات المهاجرين وعصابات المستوطنين الذين يأتون من مستوطنات الضفة تحت ستار الدراسة في المعاهد الدينية، لكن عمليا هم ينتظمون ضمن عصابات إرهابية لتنفذ جرائمها ضد العرب". وتناول المعلقون في تحليلاتهم مجمل العلاقات بين اليهود والعرب في عكا تحديداً، وبين عرب الداخل واليهود عموماً، وخلص بعضهم إلى الاستنتاج بأن الحديث عن التعايش بين الشعبين داخل حدود الدول العبرية لا يعكس الحقيقة، وأن التوتر اليومي قائم خصوصاً على خلفية شعور المواطن العربي بأنه لا يحظى بحقوقه، وأنه يتم التعامل مع أكثر من مليون عربي في إسرائيل بتمييز حكومي فاضح سبق أن انعكس في تظاهرات عنيفة وصدامات بين العرب واليهود سرعان ما تحولت إلى قمع بوليسي للعرب. وحذر المعلقون من الوقوع في وهم الهدوء الذي عاد إلى عكا و"الذي لن يمنع الانفجار الحتمي المقبل". وأعاد المعلق في"هآرتس"يوآف شطيرن انفجار الوضع في عكا إلى"خشية اليهود من أن يفقدوا المدينة"حيال قيام عدد كبير من العرب في"عكا القديمة"ومن سائر أنحاء الجليل بالسكن في الأحياء الجديدة اليهودية، ما يخلّ بالتوازن الديموغرافي في"عكا الجديدة". وأضاف أن عرب عكا من جهتهم يشعرون بأنهم تحت الملاحقة من يهود من خارج المدينة، من المحسوبين على الجهات اليمينية المتشددة دينياً، بهدف تهويد المدينة العربية،"هذا فضلاً عن الصراع بين اليهود والعرب في الأحياء المختلفة في شأن رفع الآذان من المساجد، بينما تتعزّز في خلفية ذلك قوة الحركة الإسلامية". كذلك تناول المعلقون الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها عرب عكا في احيائهم الفقيرة، فيما تحظى الأحياء اليهودية بأعلى مستوى من الخدمات والعناية.