تعالت تحذيرات خبراء من تعرّض قطاع المقاولات الخليجي لأزمة حادة جراء الارتفاعات المتتالية في الأسعار المحلية والعالمية لمواد البناء، بلغت ذروتها في الشهرين الأخيرين وتسببت في مشاكل كثيرة لشركات كبرى في المنطقة، كان من نتيجتها المطالبة بفسخ العقود مع أصحاب المشاريع أو تعديل العقود ورفع قيمتها لمواكبة تلك الزيادات. وتقدر تقارير قيمة قطاع مواد البناء في الإمارات وحدها بنحو 40 بليون درهم إماراتي أي 11 بليون دولار في نهاية العام الماضي. وأبدت شركات التطوير العقاري مخاوفها من أن"الأزمة ستنعكس بقوة في قطاع العقارات الذي لا يزال يعاني تفوق الطلب على العرض في غالبية دول المنطقة". ويرزح قطاع المقاولات الخليجي بين معضلتين، إحداهما تفاقم أزمة الأيدي العاملة المستوردة، بعد الإضرابات المتتالية للعمال للحصول على مستحقات تكفيهم في مواجهة غلاء المعيشة في المنطقة، والثانية ارتفاع أسعار مواد البناء بسبب الارتفاع المتواصل في معدلات التضخم. وقدّرت دراسة لشركة"وهج الخليج للاستثمارات العقارية"نسبة المشاريع العقارية التي تعطّلت بسبب أزمة شركات المقاولات بأكثر من 40 في المئة من المشاريع العقارية الإجمالية قيد التنفيذ، ما يعني أن استثمارات بقيمة 400 بليون دولار تعطّلت، اذ أن دراسة دولية لشركة"بروليدز"قدرت حجم المشاريع العقارية قيد التنفيذ في دول الخليج بنحو تريليون دولار. ويتركز العدد الأكبر من تلك المشاريع المتضررة، لدى القطاع الخاص، بسبب اختلاف في العقود بين المالك والمقاول. وتشير الدراسة إلى أن"تلك العقود أبرمت قبل بداية أزمة ارتفاع الأسعار، وحين اختلفت التكلفة تكبّد المقاولون خسائر كبيرة، ما دفعهم للمطالبة بتغيير العقود المبرمة في شكل يتناسب مع التغيرات السعرية". وقدرت دراسة أخرى عدد المشاريع العقارية في السعودية وحدها بأكثر من 1030 مشروعاً، وأن أكثر من 400 مشروع منها تعرّض للتعطيل. وأفاد التقرير الأسبوعي لشركة"المزايا القابضة"أن"معدلات التضخم في دول الخليج ارتفعت إلى مستويات قياسية خلال الأعوام الثلاثة الماضية، مع توقعات باستمرارها مرتفعة في الشهور المقبلة نتيجة عوامل داخلية وخارجية". وأضاف أن"ارتفاع أسعار النفط، وبالتالي ارتفاع أسعار المواد الأولية الخام والسلع والخدمات، سيكون لها دور كبير في تعزيز الضغوط على مستويات الأسعار والتضخم في المنطقة، والدخول في حلقة مفرغة من العوامل المترابطة التي سيكون لها أثر مضاعف في التضخم". وسجلت أسعار الحديد والنحاس والأنابيب المعدنية والبلاستيكية ارتفاعات متفاوتة، وصلت إلى 50 في المئة من قيمتها في حالات عدة. ولاحظ التقرير أن الارتفاعات المتتالية في أسعار مواد البناء، الذي يصاحبها ارتفاع مستمر في أسعار المحروقات، خصوصاً الديزل، جعلت المقاولين يحتاطون لارتفاعات الأسعار بتخصيصات سعرية رفعت أسعار خدماتهم. وشكّل الارتفاع المتواصل في أسعار المحروقات، الذي يتبع ارتفاع أسعار النفط الخام ومشتقاته عالمياً، تحدياً كبيراً أمام المقاولين والشركات العاملة في قطاع الإنشاء والتشييد في الخليج، أدى إلى تقليص الهوامش الربحية وتآكلها لدى بعضها وتحقيق خسائر بالنسبة الى البعض الآخر، ما دفع المقاولين إلى اعتماد آلية جديدة في التسعير تعتمد التحوّط لعوامل غير محسوبة، بما يصل إلى إضافة 5 في المئة علاوة إلى قيمة العقد. وساهمت في ارتفاع أسعار خدمات المقاولات في شكل ملحوظ خلال العام الماضي، أزمة ارتفاع أجور اليد العاملة التي ارتفعت تعويضاتها الى ما يصل إلى 20 في المئة خلال الشهرين الأخيرين من العام الماضي، مقارنة بالشهور السابقة، ما سيزيد من الضغوط التضخمية ويؤثر في قطاع شركات المقاولات والتشييد، مع التوقع بپ"تآكل الهوامش الربحية لشركات المقاولات كاستجابة مباشرة لارتفاع أسعار عناصر الإنتاج والتشغيل". وبسبب تضخم الأسعار، قامت شركات مقاولات كبرى في دبي برفع أجور العمال، اذ توقّعت أوساط عمّالية أن تلجأ شركات المقاولات إلى رفع أجور عمالها نحو 10 إلى 20 في المئة لمنع أي إضرابات أو احتجاجات وضمان استمرار العمل دون توقف. وكانت"شعاع كابيتال"في تقرير أخير لها ألمحت إلى"احتمال تراجع هامش أرباح شركات المقاولات جراء زيادة محتملة في أجور العمال".